صورة من المشهد السياسي في العراق

صورة من المشهد السياسي في العراق
آخر تحديث:

بقلم:سمير داود حنوش

 من الصعب أن يتوقع أحد ما سيأتي به الغد إلى العراقيين، واستحالة التنبؤ بالوضع السياسي لبلدهم حتى راح الظن ببعضهم لوصف الحالة مثل مناخ البلد المتقلب الذي يجمع فصوله الأربعة في يوم واحد. لكن الحقيقة المقبولة والمتفق عليها من جميع الأقطاب هي أن الوضع العراقي سيظل كما هو طالما ظلت الساحة أرضًا خصبة لتصفية الحسابات الدولية، مع استنتاج يوصلنا إلى أن أيّ تغيير في النظام مرتبط بصراع الأقطاب: أميريكا وحلفاؤها، وروسيا والصين، وثالثتهما إيران.

لا نأتي بجديد في القول إن العراق لم يتحرر من الهيمنة الأميركية ولا يستطيع إيقاف التدخل الإيراني في شؤونه الداخلية والتحكم في مصيره. السبب ليس في تلك الدول، وإنما في فشل الدولة العراقية في التخطيط السياسي للبلد، ووضعه في خانة المزايدات الدولية والسماح للآخرين بموطئ قدم على حساب سيادته، مما جعله نظامًا ضعيفًا يعطي الدول تنازلات تصل إلى الهوية الوطنية والسيادة لمصالح نفعية للسلطة من أجل الحفاظ على كرسي الحكم.

لذلك تعيش المنظومة السياسية في قلق دائم وخوف من المستقبل يبرر لها الوسيلة. فلا يزال سيناريو الإطاحة بحكومة عمران خان الباكستانية نموذجًا صارخًا يقترب من الواقع العراقي عندما تمت الإطاحة به بعد زيارة قام بها إلى موسكو بدايات الحرب الروسية – الأوكرانية، حيث حجب البرلمان الباكستاني الثقة عن حكومة خان في أبريل 2022 وصوّت لصالح شهباز شريف، أو استذكار السيناريو الأفغاني في عودة طالبان إلى الحكم بعد سنوات القتال المريرة التي دارت رحاها بين الأميركيين والأفغان.

تدرك الطبقة السياسية في العراق أن الولايات المتحدة تدعم النظام السياسي، مادام هذا النظام ملبياً لرغباتها ولعدم وجود بديل سياسي مقنع وخوفًا من فوضى عارمة قد تتخطى العراق إلى دول المنطقة. ولذلك تحاول هذه الكيانات السياسية أن تكون بيضة القبّان ومسك العصا من الوسط بين أميركا حامية النظام، وإيران حامية رموزه في محاولة للتمسك بالسلطة. وتدرك جيدًا أن من يريد تغيير النظام السياسي عليه أن ينفق تريليوني دولار ومئات القتلى من جنوده مرة أخرى في ظل توتر تعيشه المنطقة قد يهدد الأسواق النفطية، وتداعيات ما يحدث في غزة. وتعلم يقينا أنه من الصعب المغامرة بإيجاد نظام سياسي بديل يجعل من العراق قوة لا يستهان بها في المنطقة. ثم من قال إن تلك الدول تريد هذا النموذج من العراق المستقر القوي الآمن.

بالمحصلة، فإن العلاقات الدولية تُبنى على أساس المصالح لا المشاعر.>>المشهد العراقي بات اليوم أكثر تعقيدًا وغموضًا، يرسم واقعًا ضبابيًا في ارتباك واضح بين رغبة من يريد مغادرة آخر جندي أميركي من العراق وبين منافع النظام السياسي ورغبته ببقاء الفاعل الأميركي حاميًا للنظام. ذلك النظام قد يمنح بعض الأحزاب والكتل السياسية، التي تمتلك أجنحة سياسية، بعض الامتيازات لغض الطرف عن مطالبتها للجانب الأميركي بالانسحاب أو إشراكها ضمن منظومة السلطة، لتتحول من رافض للوجود الأميركي إلى مستفيد من منافعه. وذلك هو المشهد القائم في العراق.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *