اللعبة الكبرى ..( العراق الباكستاني)

اللعبة الكبرى ..( العراق الباكستاني)
آخر تحديث:

بقلم:كاظم المقدادي

لم يعدالحديث مجديا .. عن العراق البريطاني ، ولا عن العراق الامريكي .. لان الاخبار المسربة والمعبأة بالمفاجآت ، والصور والفيديوهات ، والتسجيلات والتصريحات والتلميحات .. ووصول الآلاف من قوات التحالف الى وطن الحضارات ، وانبثاق ارادة عربية مستجدة لانقاذ العراق ..كلها مؤشرات على بدء مرحلة سياسية و عسكرية فريدة وغريبة .. قد تنهي وضعا سياسيا واقتصاديا شاذا وكارثيا .. لكنها ليس بالضرورة .. ستوقف نزيف الدم وهجرة العقول ، واستمرار الدولة الفاشلة ، والتحالفات المشبوهة ، وسيطرة الاحزاب المنخورة .. ولان الارشيف السياسي في العراق كان ولا يزال ، سجلا مخجلا .. وتاريخا متواترا بأتقان ، لمن يتصفحه بدقة وامعان .

تذكروا .. ان الذين كانوا يقاومون الاحتلال البريطاني ، ببسالة و وطنية نادرة .. ظهروا هذه المرة بشكل مؤسف ومفاجيء على مسرح الاحداث في ( ٢٠٠٣ ) مع الاحتلالين الامريكي والبريطاني ، وتقلدوا مناصب وزارية ، ومارسوا سياسات وخطابات توفيقية .. وهذا الشذوذ السياسي البائن ، لم يمنعهم من دغدغة افكار جماهيرهم برومانسيات النضال العتيق .. ايام المقاومة الشعبية ، والمنشورات التي كانت تلصق على جدران السفارة البريطانية في الصالحية .. واليوم لا الوطن حر .. ولا الشعب سعيد .

تذكروا ايضا .. ان الحزب القائد الذي تحول الى ( حزب للقائد ) بحماية انصار العوجة بعد مجزرة قاعة الخلد في سنة ١٩٧٩.. هو الذي ادخل العراق في حروب وعنتريات لاطائل منها .. وكان سببا بفرض حصار ظالم و مدمر امتد لسنوات عجاف ، اكل العراقيون خلالها من خبز نخالة والياف ، و قبضوا على الجمر .. وصاروا يتوقون الى التغيير والخلاص .. مهما كان شكله ، ومهما تعددت الوانه .

وحدث ما حدث .. فاذا بالعملاء ، والجهلة والرعاع .. يتحولون الى ادوات رخيصة بيد سلطة الاحتلال ، ويدمرون الدولة بمنهجية لم تخطر على بال جميع الاجيال .. و تتلاشى الدولة الوطنية بكل ما تحمله من رمزية عالية .. من مؤسسات وكوادر علمية مهنية .. في المصانع و الجامعات ، وفي صفوف الجيش والاجهزة الامنية .

هذه الدولة التي تم ذبحها بسكاكين ابنائها .. ونهشها من الداخل بقسوة وفوضوية .. ساهم العربان من الخارج بتدميرها ومحاصرتها .. وهم يتفرجون عليها بشماتة مؤذية ، بعد ان اوغلوا بالتآمر والخيانة الدورية ، بمساعدات ، وتنسيق مع الارادات الاجنبية .

ثم حلت علينا الكارثة السياسية الكبرى .. فبعد ان كنا نعيش تحت احتلال ووصاية الدول الكبرى .. انتقلنا بقدرة قادر لنكون تحت وصاية ونفوذ دولة صغرى .. تتباهى بقوة وحجم صواريخها ، وعدد ميلشياتها .. وليس بالعلوم وافاقها .. فدمرت ماتبقى لنا من زراعة واقتصاد ، و من نسيج اجتماعي انساني اشتهرت به بغداد .. ومن كرامة وشهامة عراقية ، لم تكن يوما غائبة او منسية .. فحلت النذالة والعمالة مكان الوطنية ، وصار العميل يتباهى بعمالته .. والوطني لا يجاهر بوطنيته .. وصرنا لا نسمع سوى مفردات من الطائفية والعقائدية والمكوناتية والمناطقية .

وحين شعر العربان بالخطر الذي اقترب الى مدنهم .. والتهديد الذي وصل الى عروشهم ومملكاتهم .. عادوا الى اللعبة القديمة الجديدة .. وطرقوا البوابة الشرقية .. فوجدوا حارستهم الوحيدة تعتاش على سمعة ابيها .. فهي لم تهتد يوما للنضال سبيلا .. ولا الى السياسة دليلا .. ولم تشعر لحظة بشظى العيش .. ولا هول البطش .. بل عاشت اميرة معززة وحياتها رغد برغد في ظل حكم ابيها .. وفي سنين المنفى ، عاشت مدللة في حماية راعيها .. و بدلا من ان تظهر علينا من كهوف باكستان ، او جبال حمرين وكردستان .. ظهرت علينا وسط قصر واثاث مرصع باللؤلؤ والمرجان .

كانت ابنة باكستان بلا نظير .. على سر ابيها علي بوتو .. الذي كان باكستانيا وطنيا ، واشتراكيا عظيما .. اقتنع شعبه به حبا ، وليس خوفا .. لهذا تآمرت عليه الدوائر المخابراتية .. واعدم في ليلة ظلماء ، حتى بكت عليه السماء .. ولما شعرت الدول الغربية بحجم المأساة وبحجم الفراغ السياسي الذي تركه بوتو في الباكستان .. سمحوا لكريمته الشابة الجميلة بلانظير .. لتقود البلاد والعباد ، ولتصلح ما افسدته الاحزاب الدينية الجاهلة بمعنى الدين ، وشكل وادارة الدولة .. لكن رئيسة الوزراء المنتخبة بلا نظير ، لم تحكم طويلا .. فقد فجروا موكبها ، والتحقت مع ابيها في سماء بارئها .

ويبدو ان ما حدث في باكستان.. يراد له ان يكون سيناريو بديلا وسريعا ، وحلا سحريا سخيفا .. ونسوا ان ذاكرة العراقيين متقدة وتواقة الى التحليل لا التبجيل .. وانهم ما عادوا يؤمنون بنظام التفاهة ، ولا بالحلول الخرافية التي تاتيهم من تبخيرات العرافة .. فالتغيير الحقيقي يأتي من الداخل .. بقلع مجتمعات التشتت والكراهية .. وبزرع بذور جديدة .. في تربة وطنية لم يدنسها احتلال .. ولم تطؤها قدم محتال .

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *