عراق مريض بطائفيته

عراق مريض بطائفيته
آخر تحديث:

بقلم: فاروق يوسف

تحث المملكة العربية السعودية وإيران الخطى لتطبيع علاقاتهما بناء على الاتفاق الذي رعته بكين.توحي الأجواء السائدة بالكثير من الأمل في التقليل من حدة التوتر الذي يسود منطقة الشرق الأوسط.هل ستحدث تفاهمات جانبية بين الطرفين أم سيكتفيان بالاتفاق الرئيس الذي يمكن أن يكون بداية ونهاية في الوقت نفسه؟غير أن ما لا يمكن احتماله أن تكون الصين المدفوعة إلى المنطقة بمصالحها الاقتصادية لم تتنبه إلى ضرورة أن تكون هناك انعكاسات إيجابية على السلام والاستقرار والأمن في المنطقة بسبب الاتفاق السعودي ــ الإيراني؟

لكن هناك الكثير من المعوقات التي خلقها تاريخ من التدخلات الإيرانية في المنطقة. الأمر الذي يمكن أن يشكل مصدا لأيّ تأثير ايجابي يمكن أن تنتفع منه الدول التي قُدر لها أن تقع تحت الهيمنة الإيرانية وبالأخص العراق.العراق اليوم في ظل حكم الأحزاب الموالية لإيران التي تجمعت في ما يُسمّى بتحالف الإطار التنسيقي هو أكثر تبعية للسياسة الإيرانية من أيّ وقت مضى.وإذا ما عدنا إلى تقنيات الهيمنة المطلقة على السلطة في العراق التي اتبعتها إيران عبر السنوات الماضية، لا بد أن نضع أيدينا على جوهر المشكلة التي صنعها الاحتلال الأميركي ولا تزال هي محور الحياة السياسية، بل الحياة بمفهومها العام في العراق.

لقد فرضت سلطة الاحتلال الأميركي نظاما طائفيا تتسيّده الأحزاب الشيعية التي والتها. ولم يكن خافيا على تلك السلطة أن تلك الأحزاب مجرد واجهة للمذهب الذي تديره آلة الحكم في طهران وقم ولا علاقة لها بالمكون الشيعي الوطني العراقي. بحيث صار الدفاع عن المذهب وحمايته مجرد شعار يُراد من خلاله الدفاع عن مصالح إيران في العراق. ولقد شهدت العلاقات الاقتصادية عبر السنوات الماضية على أن العراق قد لعب دور المنقذ للاقتصاد الإيراني في مواجهة العقوبات الأميركية.

في حقيقة الأمر لم تكن الولايات المتحدة عادلة حين فرضت النظام الطائفي بحجة إنصاف الطائفة المظلومة، بل كان الغرض من ذلك أن توضع تلك الطائفة في الموضع الذي يثير الشبهات من حولها، في الوقت الذي كانت إيران تجني الأرباح من جراء ارتباط الأحزاب الحاكمة بسياساتها، التي هي في حقيقتها معادية لطموحات الشعب العراقي وآماله بكل مكوناته في إعادة بناء دولته المستقلة، ذات السيادة والقائمة على أساس احترام مبدأ المواطنة.

لم يستفد شيعة العراق شيئا من كونهم المكون الذي يحكم. كانت هناك كذبة مرّرها الأميركان والتقطتها إيران. فعبر العشرين سنة الماضية اُرتكبت الكثير من المجازر تحت شعار الخوف على المذهب والدفاع عنه وحمايته. لقد ابتكرت الشيعية السياسية فزعا ليس له أساس، كان الهدف منه وضع المكون الشيعي في التباس تاريخي المراد منه إلحاقها طبقة فقيرة بالولي الفقيه الذي فوض الحرس الثوري برعاية أتباعه الذين كُتب عليهم الفقر مدى الحياة باعتباره ضريبة لانتظارهم الإمام الغائب.

العراق اليوم يحكمه أتباع إيران المختلفون في ما بينهم، وهي القادرة على أن تتحكم بمسارات خلافاتهم. فمقتدى الصدر الذي يرفض حسب إسماعيل قاآني اللقاء بنوري المالكي كان قد رضخ لتعليمات إيران وتخلى عن الأصوات التي صنعت منه منتصرا في مجلس النواب. كان البعض ينظر إليه على أنه الرقم الصعب في المعادلة الشيعية السياسية وتبين أنه رجل الإنقاذ الذي يعمل على تدوير المشكلة الطائفية التي صنعها الأميركان من أجل إبقاء العراق في محيطها.

المطلوب أن يبقى العراق طائفيا من أجل أن يستمر إيرانيا. تلك معادلة لن يهزها الاتفاق السعودي ــ الإيراني وقد لا ترى الصين فيها ما يؤثر على مصالحها الاقتصادية. وتلك مشكلة مضافة سيقف أمامها الشعب العراقي حائرا. فالصين دولة ترعى مصالحها وإذا ما شعرت أن تلك المصالح مصانة فإنها لن تمانع في استمرار الهيمنة الإيرانية على العراق عن طريق غطاء سياسي طائفي عنوانه الإطار التنسيقي معتبرة ذلك مشكلة عراقية داخلية وهي كذلك فعلا.تلك مشكلة العراقيين. إن أرادوا اللحاق بالتطورات التي سيفرضها الاتفاق السعودي ــ الإيراني فإن عليهم أن يكونوا مستقلين وهو ما لم يتمكنوا منه في ظل سلطة طائفية لا يمكنها سوى أن تنحاز إلى إيران وهو ما سيكون سببا في خلخلة المعادلة الإقليمية التي سيكون معها الاتفاق السعودي ــ الإيراني ناقصا. فالسعودية التي تأمل في أن يعود العراق إلى محيطه العربي لن تقتنع بعراق مريض بطائفيته.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *