فرص النجاح وهواجس الإخفاق في الحكومة العراقية الثامنة

فرص النجاح وهواجس الإخفاق في الحكومة العراقية الثامنة
آخر تحديث:

بقلم:سمير عادل

بعد أكثر من عام كامل على إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة، وبعد صراعات سياسية حادة، كادت تعصف بعموم الوضع العراقي، طويت صفحة الجمود السياسي، بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة ونيلها ثقة البرلمان لتبدأ مرحلة سياسية حافلة بالاستحقاقات والتوقعات والمخاطر والتحديات.اختلفت الحكومة الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني، الثامنة منذ عام 2003، من حيث ظروف تشكلها وولادتها عن الحكومات السبع السابقة. فلأول مرة ينجح رئيس الوزراء المكلف في إنجاز تشكيل حكومته خلال أسبوعين فقط، أي بأقل من نصف المدة الدستورية المحددة بثلاثين يوما من تاريخ التكليف. وربما لأول مرة أيضا ينجح رئيس الوزراء في تقديم كابينة وزارية أشبه ما تكون بالمتكاملة، إذ أنه جاء بواحد وعشرين مرشحا لشغل واحد وعشرين حقيبة وزارية من مجموع ثلاث وعشرين، لتبقى حقيبتان معلقتان، هما البيئة والإعمار والإسكان، بسبب خلافات بين الحزبين الكرديين الرئيسيين، الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل الطالباني.

في السابق كان هناك عدد من الوزارات لا يحسم أمرها منذ البداية، بسبب الاختلافات والتقاطعات بين الفرقاء، بعضها كان يبقى يدار من قبل رئيس الوزراء، أو وزراء آخرين بالوكالة.إلى جانب ذلك، فإن سرعة منح الثقة لمرشحي الوزارات من قبل أعضاء البرلمان الحاضرين في جلسة منح الثقة، وعددهم 253 نائبا، كانت لافتة وغير مسبوقة، وعكست وجود توافقات وتفاهمات بين الكتل والقوى السياسية المختلفة، انطلقت في جانب منها في الرغبة بتجاوز المنعطف الخطير والمأزق الذي وصلت إليه العملية السياسية.

ومن حيث تركيبتها العامة، ضمت التشكيلة الحكومية، شخصيات سياسية وأكاديمية محسوبة على القوى التي شكلت تحالف إدارة الدولة من المكونات الثلاثة، الشيعية والسنية والكردية، متمثلة بقوى الإطار التنسيقي، وأبرزها ائتلاف دولة القانون وتحالف الفتح وحركة عصائب أهل الحق وكتلة تصحيح، والحزبان الكرديان الرئيسيان، الديمقراطي الكردستاني والوطني الكردستاني، إلى جانب تحالف السيادة وتحالف عزم، إضافة إلى حركة بابليون المسيحية. فيما أعلن في وقت سابق كل من المستقلين ومعهم حركة امتداد التشرينية وحراك الجيل الجديد الكردية وتيار الحكمة وإشراقة كانون عدم مشاركتهم في الحكومة، مع مقاطعة كاملة من قبل التيار الصدري الذي كان أعضاؤه الثلاثة والسبعون في البرلمان قد انسحبوا واستقالوا أواخر شهر يونيو الماضي بأمر من زعيم التيار مقتدى الصدر، علما أنه أعلن فيما بعد اعتزال العمل السياسي احتجاجا على نهج المحاصصة في إدارة شؤون البلاد، ولأنه لم يتمكن من تطبيق رؤيته بتشكيل حكومة أغلبية وطنية مع بعض شركائه الأكراد والسنة.

العدد الأكبر من أعضاء حكومة السوداني لم يتسنّموا مناصب وزارية في السابق، إلا خمسة منهم، وهم وزير الخارجية فؤاد حسين، ووزيرة الهجرة والمهجرين إيفان فائق، اللذان كانا يشغلان نفس موقعيهما في الحكومة السابقة، إضافة إلى وزير الصناعة والمعادن خالد بتال الذي كان يشغل منصب وزير التخطيط في الحكومة السابقة، ومحمد تميم الذي كان وزيرا للتربية في حكومة نوري المالكي الثانية، وأنيطت به حقيبة التخطيط في الحكومة الجديدة، وكذلك وزير الصحة الحالي صالح مهدي الحسناوي الذي كان قد شغل نفس المنصب بين عامي 2008 و2014.والى جانب الشخصيات الأكاديمية والمهنية (التكنوقراط) في حكومة السوداني، فإن هناك شخصيات سياسية تشغل مواقع قيادية متقدمة في بعض القوى والكيانات اختيرت لتولي مناصب وزارية في الحكومة الجديدة، مثل القيادي في حركة عصائب أهل الحق نعيم العبودي الذي تولّى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ورئيس كتلة السند الوطني والقيادي في الحشد الشعبي أحمد الأسدي الذي تولّى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وكذلك العضو القيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني خالد شواني الذي تولّى حقيبة العدل في حكومة السوداني. في ذات الوقت ضمت الحكومة الجديدة ثلاث نساء، هن وزيرة المالية طيف سامي التي كانت تشغل موقع وكيل وزير وتعد العقل المدبر في الوزارة، لاسيما حينما كانت تشغل منصب مدير عام دائرة الموازنة، وهيام الياسري التي أنيطت بها حقيبة الاتصالات، إضافة الى وزيرة الهجرة والمهجرين ايفان فائق.

ولا شك أن الوقوف عند طبيعة تركيبة الحكومة الجديدة، من زوايا وجوانب مختلفة، يمكن أن يساعد بمقدار معين في التأشير إلى فرص نجاحها، وكذلك تشخيص هواجس إخفاقها. فوجود شخص مثل محمد شياع السوداني على رأس الحكومة يعد مؤشرا نسبيا للنجاح، ارتباطا بكون الرجل تدرج في العديد من المواقع التنفيذية العليا، فضلا عن وجوده كعضو في البرلمان لأكثر من دورة، وبالتالي لديه معرفة وإلمام بالكثير من التفاصيل، ولا تخفى عليه الكثير من مسارات الانحراف وسوء الإدارة والتخطيط. فضلا عن ذلك فإنه يمتلك سيرة مهنية وشخصية خالية من شبهات الفساد، وعدم التورط في أيّ مشاريع تنطوي على طابع سلبي، إلى جانب علاقاته الجيدة مع مختلف القوى والأطراف، وجاء ببرنامج وزاري يتسم بالواقعية والعملية، تضمن خمس أولويات، هي:

  • مكافحة الفساد الإداري والمالي.

  • معالجة ظاهرة البطالة وخلق فرص العمل للشباب من الجنسين.

  • دعم الفئات الفقيرة والهشة ومحدودي الدخل من المواطنين.

  • إصلاح القطاعات الاقتصادية والمالية وخاصة قطاعي الزراعة والصناعة والقطاع المصرفي ودعم القطاع الخاص.

  • العمل بشكل عاجل على تحسين الخدمات التي تمس حياة المواطنين وتطويرها.

وأقر البرنامج الوزاري إعادة النظر في جميع قرارات حكومة تصريف الأعمال اليومية برئاسة مصطفى الكاظمي، وخاصة الاقتصادية والأمنية، والتعيينات العشوائية. وصرف مستحقات البترودولار للمحافظات المنتجة للنفط والغاز وفق مدد زمنية مقبولة، وإجراء انتخابات مجالس المحافظات وتحديد موعد إجرائها في البرنامج الحكومي، والتزام الحكومة ببناء أدوات فعالة لمحاربة الفساد خلال مدة أقصاها تسعين يوما من تاريخ تشكيلها، والالتزام بإعادة النازحين إلى مناطق سكناهم خلال ستة أشهر من تشكيل الحكومة، بما في ذلك نازحو منطقة جرف النصر بعد تدقيق ملفاتهم أمنيا، وإكمال تشريع قانون النفط والغاز وفقاً للدستور في غضون ستة أشهر من تاريخ التشكيل.

ليس هذا فحسب، بل إن الدعم السياسي الواسع له والتفاعل الشعبي معه، والرسائل الإيجابية من المحيطين الإقليمي والدولي، كلها تعد أرضيات مناسبة من شأنها أن تعزز فرص النجاح وتكرّسها. والشيء المهم أيضا، يتمثل في أنه حتى الأطراف المعارضة والمقاطعة، كالتيار الصدري، التزمت الصمت، ولم تتبن أيّ مواقف تعرقل تشكيل الحكومة، كما كان متوقعا. ويبدو أن التيار رأى ضرورة إعطاء فسحة من الزمن للسوداني وحكومته، ومن ثم يكون له موقف على ضوء طبيعة الأداء بعد ثلاثة شهور أو أكثر بقليل.

وإذا كانت أجواء الدعم والإسناد وأرضياتهما، وسرعة تشكيل الحكومة، وسرعة نيلها ثقة البرلمان، واحتوائها على شخصيات مهنية كفؤة ونزيهة، وواقعية البرنامج الوزاري، وقبل ذلك كله، شخصية رئيسها وسيرته ومسيرته، بمثابة فرص ومقومات للنجاح، فإن هناك هواجس قلق غير قليلة من التلكؤ والإخفاق، يعززها بقاء نفس آليات المحاصصة السابقة وسياقاتها في تشكيل الحكومة وتقاسم المواقع فيها، حتى وإن كانت هوية بعض أعضاء الحكومة أو أغلبهم من غير المنتمين للأحزاب والقوى المشاركة. وكذلك حجم الملفات والقضايا الشائكة المتعلقة بالفساد والخدمات والأمن، التي وجدها أو سيجدها السوداني مكدسة أمامه على الطاولة في مقابل السقوف الزمنية القصيرة. ناهيك عن تضارب إرادات الأطراف الداخلية المختلفة ومصالحها، وعدم استعداد الكثير من تلك الأطراف التنازل عن تلك المصالح، وإن كان ذلك يصب في الصالح العام، ويسهّل تنفيذ البرنامج الوزاري، هذا دون إهمال الأجندات والاشتراطات الخارجية، وخصوصا الأميركية، التي راحت تطرح وتتسرب من هنا وهناك عبر مقالات ودراسات وتقارير لبعض مراكز الأبحاث القريبة من دوائر القرار العليا في واشنطن، مثل معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى وغيره.

يخطئ من يتصور أن كل الأطراف الداخلية والخارجية تتمنى فعلا نجاح السوداني في مهمته الثقيلة، ويخطئ من يتصور أن أجواء الدعم والإسناد الكبيرة والواسعة وأرضياتهما، ستبقى على حالها ولا تنقلب إلى انتقادات وحملات تشهير وضغوطات وعراقيل، وربما من الأصدقاء والحلفاء قبل الخصوم والأعداء.يمكن أن ينجح السوداني وفريقه الوزاري والاستشاري في استثمار الفرصة أو الفرص المتاحة، وفك بعض العقد المستعصية، وحلحلة الأزمات الخانقة. بيد أنه في ظل ظروف وأوضاع كالتي يعيشها العراق، وبتراكماتها السابقة وبتحدياتها القادمة، يتطلب الأمر تكاتف الجميع وتعاضدهم وتشخيصا وتخطيطا دقيقين في انتظار النتائج المرجوة، وتجنب رفع سقف التوقعات المتفائلة، وفهم كاف لحقائق الواقع ومعطياته، وبخلاف ذلك ستتكرر ذات السلبيات والأخطاء، وتتفاقم المشاكل والأزمات، وتنتهي الأمور مجددا إلى الجمود والانسداد.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *