افتراءات نصر الله بقلم ماجد كيالي

افتراءات نصر الله بقلم ماجد كيالي
آخر تحديث:

نصرالله يحلل لإيران وميليشياتها العراقية واللبنانية وحتى الأفغانية، التدخل في سوريا البعيدة عنها مئات الكيلومترات، في حين أنه يحرم على السعودية ودول الخليج الدفاع عن أمنها.
منذ زمن، ولا سيما منذ تورّط حزب الله في قتال السوريين دفاعا عن نظام بشار الأسد، وانكشافه كحزب طائفي، وكامتداد للنفوذ الإيراني في المنطقة، فقد هذا الحزب شعبيته، وشرعيته، ولم تعد خطابات زعيمه تحظى بذات القبول التي كانت لها من قبل.

الفكرة هنا أن المشكلة مع هذا الحزب لا تتعلق بكونه حزبا دينيا، أو يعبّر عن طائفة معيّنة، وإنما كونه حزبا طائفيا، حيث تختلف الطائفة، التي هي معطى تاريخيا وثقافيا ودينيا، عن الطائفية السياسية التي تتأسّس على العصبية، ووضع الطوائف مقابل بعضها، وصبغ الصراعات على السلطة والمكانة والموارد بغطاءات دينية؛ هذا أولا. وثانيا، فإن المشكلة مع هذا الحزب تتعلق بتبعيته لإيران، سواء على الصعيد المتعلق ببدعة “ولاية الفقيه”، أو على صعيد التبعية للسياسة الإيرانية، وتوظيف طاقات حزب الله، والطائفة التي يمثلها، في إطار تعزيز السياسية الإقليمية لإيران. وثالثا، فإن هذا الأمر يتعلق، أيضا، بالطابع الميليشياوي لهذا الحزب، ومحاولته فرض ذاته بوسائل القوة والقسر والهيمنة، مع ملاحظة أن أنشطته لم تعد مقتصرة على لبنان، حيث تواجده الأساسي، إذ بات ذلك يشمل تحوله إلى ذراع إيرانية في سوريا والعراق، وحتى في اليمن.

مناسبة هذا الكلام خطاب حسن نصرالله، قبل يومين، والذي كرّسه للحديث عن الوضع اليمني، الذي بني على التلاعب والافتراء والمخاتلة، في محاولة مكشوفة تتوخّى مجرد رفع معنويات القاعدة الاجتماعية لحزب الله، والقوى المتماثلة معه مثل جماعة “أنصارالله” الحوثية في اليمن، والميليشيات العراقية “الشيعية” في العراق وسوريا، كـ“عصائب أهل الحق”، وكتائب “أبوالفضل العباس” و“الحشد الشعبي”، من تلك التي تسعّر الاحتراب الطائفي في المشرق العربي، وتقوّض وحدة المجتمعات العربية؛ بعد أن باتت خطاباته مكشوفة، ولا تلقى رواجا لها في المجتمعات العربية.

في خطابه “اليمني” اعتبر نصرالله أن المملكة العربية السعودية تعتدي على اليمن، مشبّها ذلك بالعدوان الإسرائيلي على لبنان (عام 2006)، متناسيا ما يفعله حزبه في سوريا، دفاعا عن نظام الاستبداد والإفساد، ومتناسيا أيضا أن الجماعة الحوثية تحاول فرض ذاتها بوسائل القوة ضد حكومة شرعية.

وإذ لا يفوّت نصرالله توظيف معاداة إسرائيل في خطابه، فإنه يتناسى أن إيران وميليشياتها باتت، منذ العام 2000، تشتغل من لبنان إلى اليمن، مرورا بسوريا والعراق، على إضعاف استقرار المنطقة العربية وشق وحدة مجتمعاتها، من دون أن تتعرض لإسرائيل. كما أنه في هذا الخطاب الصاخب، الذي ينمّ عن إفلاس سياسي وأخلاقي، يتناسى أن حزبه سكت عن الاحتلال الأميركي للعراق (عام 2003)، بل وتحالف مع القوى التي جاءت إلى حكم العراق على ظهر دبابة أميركية، المتماثلة معه سياسيا وطائفيا، وضمن ذلك حكومة نوري المالكي السابقة، التي كانت غارقة بالفساد والتبعية لإيران، والتي فعلت ما فعلته في العراق.

في خطابه ادعى نصرالله بخفة أنه يتحدث عن الحقيقة، بيد أن كلامه تضمن أضاليل ومغالطات. فالجماعة الحوثية التي يدافع عنها تحاول أخذ السلطة في اليمن بطريقة أحادية واستئصالية، مستخدمة في ذلك القوة العاتية، مثلها مثل الميليشيات الطائفية في العراق، كما أن هذه الجماعة تشتغل، مثل حزب الله، باعتبارها امتدادا للنفوذ الإيراني في اليمن، ومنطقة الخليج، ناهيك عن تحالف الحوثيين مع الرئيس اليمني السابق، على الضد من مقاصد الثورة اليمنية، وبرغم كل ما أدت إليه حقبة صالح، التي أوصلت اليمن إلى هذا الحضيض.

اللافت أن نصرالله لا ينتبه، في ذروة حماسه وتعصبه، إلى أنه يحلل لإيران، وميليشياتها العراقية واللبنانية وحتى الأفغانية، التدخل في سوريا، البعيدة عنها مئات الكيلومترات، في حين أنه يحرّم على السعودية ودول الخليج العربي، الدفاع عمّا تعتبره أمنها، أو حقها في مساندة النظام الذي تعتبره شرعيا في اليمن.

الطامة الكبرى أن الخفّة تأخذ نصرالله إلى حد تصويره الصراع في سوريا وكأنه بين النظام من جهة، وجماعات “داعش” و“القاعدة” من الجهة الأخرى، مهنّئا نفسه بأن النظام لم يسقط، متجاهلا أن هذه الجماعات لم تكن موجودة أو فاعلة، قبل عامين، وأن داعش ظهرت أواسط العام 2013، ولم يصبح لها وجود فاعل إلا في أواسط 2014، في حين أنه يعرف حق المعرفة ومن موقع الشراكة، بأن النظام السوري يقتل شعبه منذ بداية الثورة في آذار 2011.

الطريف أن نصرالله يتحدث عن هذه الجماعات بوصفها جماعات متطرفة وتكفيرية، وهي كذلك طبعا، لكنه يتحدث وكأن “حزب الله”، الذي يحتكر الذات الإلهية، مثله مثل “أنصارالله” الحوثيين، هو بمثابة حزب علماني وحداثي، وكأنه يتيح لأحد مشاركته في إدارة المناطق التي تخضع لهيمنته في جنوب لبنان، وكأن مدارسه ووسائل إعلامه، بمثابة واحة لكل ذلك، ناهيك عن نظام إيران، الذي يحكم العشرات من ملايين الإيرانيين، على تنوعاتهم الإثنية والمذهبية، وفق تعاليم “الولي الفقيه”، وطبقة “آيات الله” التي تدور في فلكه. وكلنا نعرف مصير “آية الله طالقاني” و“آية الله منتظري”، ومنظمتي فدائيي خلق ومجاهدي خلق، وما يحصل مع الرئيس الأسبق محمد خاتمي وهاشمي رفسنجاني، وصولا إلى مرشحي الرئاسة (عام 2009) مير حسن موسوي ومهدي كروبي، من الذين حاولوا الخروج من إسار هذا الترتيب القائم على الاستبداد والفساد، بصيغة دينية

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *