ليس بالخبز وحده أيها الديمقراطيون

ليس بالخبز وحده أيها الديمقراطيون
آخر تحديث:

بقلم:فاروق يوسف

ليس صحيحا عقد مفاضلة بين الخبز والديمقراطية. “تريدون خبزا تخلّوا عن المطالبة بالديمقراطية. تريدون ديمقراطية فإن الخبز سيختفي”.ذلك ليس عدلا. ليس بالخبز وحده. كرامة البشر مطلوبة. الحريات ضرورية. تداول السلطة بطريقة شفافة حاجة شعبية وليس شأنا نخبويا. فساد أقل مطلوب. القانون هو طريق المساواة.كل هذه الشعارات وسواها لا يعبأ بها المتمردون على الواقع الذين يخلطون الأمور في ما بينها بحيث يصبح من الصعب معرفة إذا ما كان كل شيء يجري بطريقة سليمة إذا ما تم التخلي عن الديمقراطية من أجل الخبز وإذا ما كان الخبز سيفيض عن الحاجة فهو الآخر سيختفي حين يتم التعامل معه باعتباره حاجة كمالية على طريقة ماري أنطوانيت حسب الشائعة التي ظلمتها.ولكن هل توفر الديمقراطية، وهي مسألة تجريدية غير مرئية، الخبز وهو مادة حسية ملموسة؟ لا أعتقد أن الفقراء يفكرون بهذه الطريقة الملتبسة. فالخبز أولا ولا شيء يسبقه أو يجاوره. يمكننا أن نفكر في الديمقراطية إذا ما كنا مطمئنين إلى أن الخبز سيظل حاضرا على المائدة دائما.

ديمقراطية الفقراء هي صناعة يقوم الأثرياء بتعبئتها بأكاذيبهم عن السياسة. غالبا ما تكون السياسة بالنسبة إلى الفقراء واجهة لعالم لن يتمكنوا من اختراق جدرانه. وهو ما يجعل منهم سجناء للأخبار التي غالبا ما تكون موجهة إلى خدمة جهات مهيمنة بعينها. وإن حرص الفقراء على سماع خطب السياسيين فإنهم لن يروا سوى أفواه تلوك كلاما، يعرفون أن الجزء الأكبر منه ملفق، وهو جزء من عمليات غسل أدمغتهم التي صارت فارغة لكثرة ما غُسلت. وليس المطلوب منهم سوى أن يعبّروا عن إعجابهم الصبياني الذي لا يقدم ولا يؤخر.تضع الشعوب أيديها على قلوبها حين لا ينقل لها السياسي خبرا سيئا. ذلك معناه أن الأخبار كلها سيئة. ليس مهما أن نكون ديمقراطيين، ولكن النزاهة هي الأهم وهي تتطلب قدرا من الصدق يمكّننا من الاعتراف بالحقيقة. فكم كان دعاة الديمقراطية في دول مهددة بالفقر نزيهين لكي يعترفوا بالحقيقة؟ حقيقة أن الخبز مطلوب قبل الديمقراطية، ولكنه لا ينفيها.

ذلك حساب ثقيل ومعادلة لا تقوى النخب السياسية المتنورة على حمل وزرها. لا تعني العقائد هنا شيئا ولا موقعها من الحساب. في اليمين كانت أم اليسار. ليس صحيحا أن اليسار إنساني أكثر من اليمين. وليس الشيوعي المتحجر أفضل في سلطته المطلقة من المتزمت والمتشدد دينيا. حراسة السلطة والخوف عليها والتمسك بها والاستقتال من أجل البقاء فيها لا يفرّق بين أحد وآخر.عن طريق الإجراء الديمقراطي يمكن أن تنتج السياسة مفاجآت استبداد لا يمكن توقع نتائجها العصيبة. فهتلر على سبيل المثال كان منتخَبا بطريقة ديمقراطية وهو مَن جعل الشعب الألماني وشعوبا أوروبية أخرى تبحث عن الخبز في القمامة. وفي عالمنا العربي قدّم العراقيون صورة عن ديمقراطية كالحة لا يمكن التثبت من وجودها بسبب الفساد الذي لم يحفّ بها، بل كان جزءا منها على طريقة “تريد حمارا هاك حمارا، تريد أرنبا هاك حمارا”.

حقيقة إن الفقراء مهددون بالديمقراطية. أصواتهم تُباع بأرخص الأثمان وفي وقت قياسي من أجل الخبز. السياسيون يعرفون ذلك. هم يستعملون الخبز في إغراء الناخبين وفي ترهيبهم أيضا.

ولكن معادلة “لا خبز ولا ديمقراطية” هي المعادلة التي رسخت في العالم العربي بعد ثورات الربيع العربي التي كان المقصود منها أن تضع نهاية لعصر الاستبداد. لم يكن الديمقراطيون العرب الجدد قادرين على هضم فكرة أن الديمقراطية التي يطالبون بها ستكون قادرة على كبح جماحهم وهم يطمعون بالسلطة وأن عليهم أولا أن يضعوا الخبز على كل مائدة قبل أن يبدأوا صراعهم السياسي القائم على أسس ديمقراطية لا تزال طرية.حدث العكس تماما. وبدلا من أن يكون الربيع العربي تجربة مدهشة كان مناسبة لهلاك من نوع جديد هو الأقسى تاريخيا، بحيث صارت الشعوب تحن إلى عصر الطغاة السابقين. سيُقال لو أننا حافظنا على الخبز من غير التطلع إلى زمن ديمقراطي سيكون عنوانا للفوضى لكنّنا اليوم أفضل حالا. أما كان عصر الخبز أكثر رخاء من عصر الحرية؟ذلك هو سؤال العرب الضائعين من اليمن إلى ليبيا. لقد فشلت الديمقراطية أو أن الديمقراطية العربية لم تكن حقيقية. كذب الحزبيون العرب على شعوبهم فانقلب الميزان.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *