إن كل مواطن عراقي، من خارج دائرة من خارج الأحزاب المسلحة، يتمنى أن يكون السوداني صادقا بحديثه عن عراق 2050 وقادرا على وضعه على أول طريقه المنشود.ولكنّ الواقع السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري الحقيقي المتوفر لا يسمح لأحلامٍ من هذا الوزن ومن هذا النوع بأن تتحقق إلا بواحدة من اثنتين، غضبة شعبية قاصمة عادمة تقلب الأسود أبيض والأحمر أخضر، أو أن تتمكن الجماهير الإيرانية من الأخذ بثأرها وثأرنا فتُريحنا وتستريح.
يقول رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، في مقال نشره في صحيفة الشرق الأوسط، عنوانه، (عراق 2050 ازدهار واستقرار وعودة لبغداد الحضارة والريادة) “إنني أجد اليوم الفرصة مواتية لإطلاق حملة وطنية شاملة للبناء والإعمار وتطوير الخدمات في كل أنحاء البلاد”. و”بمساعدة الشعب والشركاء والأصدقاء سنبني عراقاً قوياً قادراً للعقود المقبلة، ونحقق ذلك في خططنا المقبلة التي نسميها عراق 2050″.
وإن هذا كلام كبير. ويبدو أن صاحبه يقع في نفس أخطاء أسلافه رؤساء الحكومات السابقة، ناسياً أن الشعب العراقي لم يعد أهبل كفاية ليقبل بتخدير العاطلين عن العمل، وهم بمئات الآلاف، وتهدئة خواطر المحرومين من الأمن والماء والكهرباء والغذاء والدواء، والغارقين في هموم الدولار وغلاء الأسعار، وسوء البضاعة، وفشل الإدارة، وانتشار الرشوة، ودوام الاختلاس، وتزوير الشهادات.
فلن يستطيع، لا هو ولا الأكبر منه إقناعَ عوائل الشهداء الذين اغتالهم (الطرفُ الثالث) المجهول، وذوي المغيبين والمعتقلين والمهجرين بأن تنسى ما كان وما هو كائن وما سوف يكون، ثم تهادن القاتل، وتقرأ الفاتحة على روح القتيل، وعفا الله عما سلف.وهو، بحديثه عن عراق 2050، ينسى أن حدوده القصوى لا تتعدى تعيين مدير شرطة في مدينة، أو إقالة رئيس بلدية في قرية، أو إطلاق سراح حرامي. ويجهل أو يتجاهل أن العراقيين، كبارَهم وصغارَهم، يعلمون بأن مفاتيح الحل والربط موقوفة، حصراً، للولي الفقيه العراقي، والولي الفقيه الإيراني، وسفيرة العم سام، بالتساوي.
حتى أصبحت المسافة بين ما يُريده الشعبُ العراقي وبين ما يمكن للرئيس السوداني أن يعطيه لا يقل كثيرا عن المسافة بين المنطقة الخضراء في بغداد وكوكب المريخ.فالذي يريده العراقيون، والذي ثار التشرينيون من أجله، وقدموا خيرة شهدائهم لانتزاعه من وكلاء إيران وأمريكا وتركيا والسعودية وقطر والإمارات والكويت، هو حكمُ الشعب الذي ينبثق عن انتخابات نزيهة وعادلة وشفافة لا تحتقر تغير نتائجها المراجعُ الدينية أو العسكرية أو المافيوية، داخليةً كانت أو خارجية، فتقلب الخاسرين فيها إلى رابحين، والرابحين إلى خاسرين.
ولأنه مُنصَّب، واقعيا وعمليا، من قبل الإطار التنسيقي المرضيِّ عنه سيستانياُ وخامنئياً وأمريكيا، فليس من حقه التصرف بشيء، ولا التعهد بشيء، إلا بحدود ما يسمح به نوري المالكي وقيس الخزعلي وأبو علي العسكري وأبو فدك وهادي العامري وعمار الحكيم. وأي عمل مخلص وحقيقي من أجل إقامة دولة عدل وقانون وسيادة وكرامة يعني جرَّ هؤلاء المطلوبين للعدالة، واحدا واحدا، إلى غياهب السجون.
فهم، أنفسهم الذين منعوا الحكومات السابقة، وسيمنعون حكومته الحالية من المساس بعجائب العراق السبع التالية:
– المرجع السيستاني وفتاواه الأنفالية فيما يتعلق بالنفط والمعادن التي جعلها ملكاً حصريا للإمام الغائب، وباعتباره وكيله فقد أجاز التصرف بها للشيعة في العالم، ولكن بعد دفع خمسها.
– سلاح الحشد الشعبي والمليشيات
– قصور المتهمين بالتزوير والعمالة والاختلاس
– سلطة السفارة الإيرانية
– جولات السفيرة الأمريكية
– جمهورية مسعود البرزاني
– جمهورية بافل طالباني.
ولنتحدث بصراحة. إن الدولة العراقية لن تكون دولة، حتى بعد خمسين سنة، وليس بعد سبعٍ وعشرين، إلا حين يظهر مارد شهم أبيٌّ شجاع وشريف ليمحو خرافة الحشد الشعبي، وينزع سلاحه الثقيل والخفيف، ويُغير الطاقم الحاكم، خصوصا في وزارات المالية والنفط والداخلية والدفاع والخارجية والتربية والتعليم، شلع قلع، ويُخرج المليشيات، نهائيا، من المحافظات السنية، ويُغلق سجونها السرية، ويُطلق سراح من تبقى من مغيبين فيها، ويعيد المهجرين إلى منازلهم، ويطرد مليشيا بدر من ديالى، ويقتحم جرف الصخر ويسمح بعودة أهلها الممنوعين من دخولها، ويفتح ملف سبايكر، وملف داعش واحتلال الموصل، وملفات صفقات السلاح المشبوهة الكبيرة القديمة والجديدة، ويسوق رؤوس الفساد والرشوة والاختلاس، كبيرَها قبل صغيرها، إلى ساحات العدالة، ويُحرر القضاء من سطوة الدولة العميقة، ويَضبط المنافذ الحدودية، ويمنع جمهورية أربيل وجمهورية السليمانية من الاستمرار في احتقار سلطة الدولة المركزية، ويعيدهما إلى بيت الطاعة، ويُجبرهما على احترام حقوق المواطنة وسلطة القانون وحرمة الدستور.
وبالتزامن مع حديث السوداني عن الازدهار والاستقرار أعلنت منظمة IQair الدولية حلول العراق في المرتبة الثانية بين دول العالم في نسبة التلوث، بسبب وجود 49 ألف مولدة كهرباء تعمل بالديزل، بالإضافة إلى السيارات واحتراق الغاز وجفاف الأنهار وضمور المساحات الخضراء وتراجع معدلات الزراعة.
وبدل حصر السلاح بيد الدولة، وفي يوم حديث رئيس الوزراء، أيضا، عن دولة الأمن والأمان، أصدر وزير الداخلية قرارا بمنح التجار والمقاولين والصاغة والعاملين في تداول ونقل الأموال إجازة حيازة سلاح ليدافعوا به عن أنفسهم ومراكز أعمالهم ومشاريعهم واستثماراتهم وتخلي الدولة عن هذا الواجب الأساس.
شيء آخر. يقول السوداني، “كان الفساد المالي والإداري أحد الموانع الرئيسية، ولهذا بادرنا منذ الأيام الأولى إلى استهدافه وملاحقته، ضمن خطة متكاملة سنتابعها باستمرار، ونستهدف مراكزه وأدواته أينما كانت”.
ونسأل، كم عراقي يُصدق مثل هذا الكلام، وهو الذي يعرف أن أباطرة الفساد الحقيقيين موجودن في عقر داره، ومعروفون ومكشوفون ومحروسون بسلاح الدولة والمليشيات، وممنوعٌ الاقتراب من أحدهم ومسُّه بسوء؟.
لا تغضب علينا يا دولة الرئيس. فحمّامك هو نفس حمام أسلافك، وطاستك هي نفس طاستهم، ولن يخرج الوطن والمواطن من السجن القديم ومن الجديد إلا إذا تحققت المعجزة وتولى رئاسة الوزارة والقيادة العامة للقوات المسلحة الاسكندر المقدوني أو نابليون أو هتلر أو طرزان، أو أن يموت الوالي، أو جحا، أو الحمار.