التغيير للأسوأ

التغيير للأسوأ
آخر تحديث:

  علي علي

في لج بحر الأمثال العراقية التي يزخر بها تاريخنا مثل يقول: (المايسوگه مرضعه سوگ العصا ماينفعه) وأظن هذا المثل يجسد حقيقة أن الضمير الواعي والنفس التواقة للإخلاص في أداء عملها، هما المعول عليهما في ارتقاء أية وزارة او مؤسسة او حتى (كشك جكاير). فقد أثبتت التجارب السابقة أن الضمير الميت والنفس الأمارة بالسوء، هما السبب الأساس في تدني أداء مؤسساتنا ووزاراتنا وباقي هيئات البلاد. كما أنهما -الضمير والنفس- العنصران المهمان من عناصر إنجاح أي برنامج او نهج او سياسة عمل، إذ يتم النجاح ويتحقق الفلاح بصلاحهما، فيما تتقهقر النتائج وتتراجع مستوياتها بخرابهما.

يمر عراقنا اليوم بانعطافة مهمة وحساسة وخطيرة، من حيث التوجه لانتقاء قادة جدد يديرون مؤسساته بشكل صحيح، والذين يعول عليهم بالنهوض بمؤسساته بعد سباتها الذي امتد عقودا، حيث لم يتحقق خلال السنوات الثلاثة عشر الماضية من عمر العراق الديمقراطي الفدرالي، انجاز يقوّم الاعوجاجات التي خلفها النظام السابق، بل تناسلت سلبيات وتولدت على إثرها سلوكيات شتى، على رأس قائمتها الفساد بأنواعه. وقد كان النظام السابق يتعمد وضع الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب، لاسيما في التشكيلة الوزارية، للحصول على نتائج غير مناسبة تدفع بالمؤسسة الى الحضيض في الأداء وسير العمل. ومن سوء حظ العراقيين أن هذه الخصلة بقيت ملاصقة لأغلب مكاتب الوزراء في الحكومات المتعاقبة. وتكمن خطورة هذه المرحلة بآلية انتقاء الشخصيات القيادية لمؤسسات البلد، وأية وحدات قياس سيتم على ضوئها تعيينها في مناصبها المناسبة، إذ أن السهو والغفلة والخطأ والاشتباه في التعيين -إن حصل- ستكون عاقبته وخيمة على البلاد والعباد. وكذلك فإن تغيير الكابينة الوزارية، وتعيين شخصيات لمناصب التشكيلة وفق ضوابط جديدة، لايمكن أن يتم بالشكل السليم مادامت الكتل السياسية هي الـ (فلتر) الذي يُمرَّر من خلاله المرشحون، والتجارب السابقة بينت (مرضع) بعض الكتل، حيث كانت خير دليل على انحيازها الى مايصب في خدمتها وخدمة أحزابها، بل إن بعضها تتفانى في خدماتها لتقدمها الى جهات تقبع خارج الحدود، تكن الى العراق والعراقيين الشر والضغينة والعداء من سالف الزمان، لتمشية مخططاتها وأجنداتها المرسومة مسبقا.

الحل إذن، يكمن في كيفية إجبار الكتل على أمرين، إما التنحي جانبا عن سير العملية السياسية، وعدم الوقوف أمام عجلتها وعرقلتها، او ترشيح الشخصيات الوزارية وفق مقاييس مهنية، ونبذ المنافع الشخصية والكتلوية والفئوية وإبعادها عن آلية الترشيح، وذلك بانتقاء الشخص الذي يحمل تاريخا علميا في مجال اختصاصه، والذي سيُتخذ بدوره كوحدة قياس يتم على ضوئها ترشيحه الى المؤسسات المعنية، ورفض مبدأ (حِب عمك حِب خالك) وإلغاء مصطلحي (من جماعتنا) و (من ربعنا) وعدم الانجرار وراء الخدع الزائفة، المتمثلة بالمظاهر البراقة التي يتحلى بها المرشح عادة، وترك الأغطية المرائية التي يتدرع بها -ولاسيما الغطاء الديني- والنظر اليه من باب مصداقيته ونظافة تاريخه المهني، وسلامة تجاربه السابقة في مؤسسات الدولة من أدران التواطؤ والتلكؤ والفساد بأصنافه. وهذا لن يتم إلا برفع المحاباة من قبل القائم على العملية برمتها وهو رئيس الحكومة، إذ عليه وضع الـ (مستحاه) جانبا وغربلة المرشحين في أكثر من غربال، لاسيما أن بعض الغرابيل معمولة خصيصا لتمرير الـ (دغش) والـ (دنان). وبغير هذه الغرابيل تكون المؤسسات التنفيذية فرعا من فروع داعش، او أداة من أدوات أضداد العراق من الخارج وفي الداخل، وحينها يكون التغيير للأسوأ لا كما يحلم العراقيون.

[email protected]

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *