الفشل الإيراني الناجح

الفشل الإيراني الناجح
آخر تحديث:

بقلم:إبراهيم الزبيدي

سمعنا وقرأنا العديد من تخيلات المعلقين والمحللين الكارهين للنظام الحاكم في إيران القائلة بأن الهجوم الإيراني مسرحية متفق عليها مع إسرائيل عبر الولايات المتحدة، مع حكم الكثيرين بأنها كانت فاشلة ومعيبة.بالمقابل سمعنا أيضا وقرأنا مبالغات حبايب النظام الإيراني التي اعتبرت الهجوم منتهى الحكمة والحنكة والشطارة، لأنها تقصدت عدم إلحاق ضرر قاصم بظهر إسرائيل بهدف توصيل رسالة إلى بنيامين نتنياهو وحلفائه الغربيين والعرب مفادها أننا وصلنا وسنصل إلى أهم مفاصل الوجود الإسرائيلي النهائي، وأننا لم نستخدم كامل قوتنا المدمرة.وقد اعترف وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، في اجتماع مع سفراء أجانب في طهران، بأن حكومته أبلغت واشنطن، مسبقا، بأن هجماتها على  إسرائيل ستكون محدودة وللدفاع عن النفس.

وفي هذه المقالة نخالف الفريقين. نعم إن الهجوم الإيراني على إسرائيل بالمسيرات والصواريخ لم يكن ناجحا، ولكنه لم يكن فاشلا أيضا في الوقت نفسه.فاستنادا إلى البيانات والتقارير العسكرية المتخصصة الموثقة، فإن الدفاعات الإسرائيلية والأميركية والأوربية والعربية المتحالفة معها تمكنت من منع وصول عدد كبير جدا من تلك المسيرات والصواريخ. وهذا فشل عسكري وسياسي لا غبار عليه.ولكن الذي فعله النظام الإيراني رغم فشل هجومه النسبي هو أنه قدم لأجيال العرب والمسلمين وصفة متقنة لتدمير إسرائيل، ولدفع الغالبية العظمى من اليهود إلى الهرب والعودة إلى الأوطان التي جاؤوا منها ويحملون جنسياتها ولهم فيها أملاك وعقارات وشركات وأموال.

فمصالح الدول التي تحالفت مع إسرائيل وساعدتها على منع وصول جميع المسيرات والصواريخ إلى مفاصلها العسكرية والاقتصادية والأمنية، مُعرضة، ربما بعد سنة، أو عشرين أو حتى خمسين سنة للتبدل والتغير من اليمين إلى الشمال، أو من الشمال إلى اليمين.فالهجوم الإيراني الذي صُمم، مع سبق الإصرار والترصد، ليكون غير جارح وغير حازم وغير حاسم أثبت أن الكيان الإسرائيلي غير مقاوم للزلازل والصواعق والبراكين، وأن المنطقة لم تمنحه، ولن تمنحه صك البقاء الأبدي، وأن وجوده المستقبلي مربوط بحبال الدول الكبرى الحليفة التي تقتضي مصالحها اليوم الدفاع عنه وحمايته من السقوط.

أولا، لا أحد يضمن بقاء الولايات المتحدة على رأس قيادة النظام الدولي الحالي. وثانيا، لا أحد يضمن عدم تغير سياساتها إذا تغيرت مصالحها مع شعوب الشرق الأوسط. وثالثا، علينا ألا ننسى الدور الروسي والصيني في مزاحمة أميركا وأوروبا في المنطقة على النفوذ والوجود.وهذا ما فهمته القيادات الإسرائيلية وأدركت جدية خطره عليها، في المدى القريب والمدى البعيد.وعلى هذا فإن القيادات العسكرية والسياسية الإسرائيلية، بناءً على حجم الزلزال الذي عرى نقاط ضعف دولة إسرائيل، كانت متفقة بالإجماع على ضرورة الرد بقوة وقسوة لتدمير أهم مراكز قوة النظام الإيراني، تمهيدا لإسقاطه بالكامل، وذلك لمنع إيران وغيرها من أي تفكير مستقبلي بتكرار الهجوم الماطر المباغت الذي حدث في الرابع عشر من أبريل – نيسان 2024.

ولكن حاجة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الفوز في الانتخابات القادمة، وحرصه على منع اندلاع مواجهة حربية شاملة في المنطقة جعلاه يقف بحزم لمنع نتنياهو ورفاقه المتشددين من تنفيذ الرد المنتظر، مقابل منح إسرائيل رشوة ضخمة جدا تتمثل بسماحه باحتلال رفح وإنهاء وجود حماس، وتجفيف مصادر الخطر بقتل أكبر عدد من المدنيين الفلسطينيين، واغتيال أو نفي المقاتلين الحمساويين، مع هدية مالية ضخمة سال لها لعاب نتنياهو ورفاقه، تقدر بحوالي ثلاثين مليار دولار، مترادفة مع عقوبات نفطية ومالية واقتصادية جديدة على إيران.

ولكن من السذاجة الظن بأن حكومة إسرائيل، أيا تكن، ستفاجئ العالم بهجوم مركب وشامل ومدمر على إيران، فور انتهاء الانتخابات الأميركية القادمة، سواء فاز بايدن أو خصمه دونالد ترامب، وأيا تكن مواقف الحلفاء والأصدقاء.فليس ممكنا ولا معقولا أن تسمح إسرائيل لإيران أو لغيرها بمباغتتها في قادم الأيام أو الشهور أو السنين بهجوم جديد، حتى لو كان بعد عشرات السنين.وليس بعيدا ولا غريبا أن تحدث انقلابات وتغيرات في دول الطوق، سوريا ومصر والأردن ولبنان، وأن ترضخ غداً دول مُطبّعة اليوم مع إسرائيل لإرادة جماهيرها التي قد تصحو ذات يوم فتنطلق في ساعة واحدة وفي يوم واحد ودون سابق إنذار آلاف المسيرات والصواريخ من إيران والعراق وسوريا ولبنان ومصر والأردن ودول الخليج العربية، فلا تسلم الجرة هذه المرة بأي حال من الأحوال.ربما يقول قائل إن هذا حلم بعيد المنال، نعم ولكن الدنيا كانت وستبقى تدور ولا قويَّ إلا وأسقطه من هو أقوى منه، وتلك الأيام نداولها بين الناس.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *