الانتخابات.. وسيلة لمواصلة تدمير العراق

الانتخابات.. وسيلة لمواصلة تدمير العراق
آخر تحديث:

 بقلم:ولاء سعيد السامرائي

منذ قرّر الاحتلال استبدال الحاكم العسكري الأميركي بعملية سياسية وأحزاب تعمل معه لاستكمال ما يعجز عن تحقيقه من خطط تدمير وتهديم، لم يعرف العراق مع هذه الانتخابات إلا دمارا مستمرا، فلم تحل الانتخابات مشكلة إعادة الخدمات الأساسية للشعب العراقي، ولم توفر له الأمن ولا ازدهارا ولا تقدما أو تطورا في مشروع أو ميدان ما. العكس هو الصحيح، فاقمت الانتخابات، وفي كل دورة منذ عام 2005، أوضاع العراق وسارت به من سيئ إلى أسوأ، حتى حاز على المركز الأول في كل التقييمات الدولية أسوأ بلد في العالم. دمرت كل بناه التحتية وسرقت لتباع في المزادات. واليوم يبتز ساسة الدمار والفساد الذين عبثوا بالعراق وبشعبه، ما بقي منهم غير مهجر في الداخل والخارج يلوحون لهم بالفوضى، وذهاب البلد إلى المجهول، وكأن العراق فرنسا أو هولندا.

وأدت الديمقراطية الكاذبة التي بنيت عليها هذه الآلية في العراق، في كل مرة، وعلى الرغم من صرف الملايين، ودعوة الناس إلى المشاركة بهذه العملية، وشهور من الدعاية الانتخابية، أن يكون القرار الأخير ليس للصناديق، بل للسفير الأميركي ووكلائه الإيرانيين، سادة العملية السياسية. بل في دور كل حكومة ورئيس وزراء في إعلان حرب على الشعب العراقي باسم مكافحة الإرهاب، على شاكلة ما عرف في الولايات المتحدة منذ 2001 وغزو العراق، فقد شن كل من الرئيسين، جورج بوش وباراك أوباما، حربا خاصة موضوعة على أجندته في 

“ليس أمام العراقيين اليوم بعد تجريب المجرّب إلا خيار طرد من جاء مع المحتل” العراق. وهذا ما حصل بعد كل انتخابات جرت، ففي 28 يوليو/ تموز، شكلت أول حكومة بعد مجلس الحكم الذي أسسه الاحتلال، وترؤس إياد علاوي رئاسة الوزراء، ليدشن أول حروب هذه الأحزاب على الشعب العراقي، فحاصر جيش المهدي في النجف، بعد معارك شرسة، ومن ثم اتجه إلى الفلوجة والرمادي، في عملية عسكرية واسعة، سمح فيها لقوات المرتزقه المحتلين، وغيرهم من أعوان لأحمد الجلبي، قتل المدينة وضربها بالأسلحة الكيميائية المحرمة دوليا، بحجة القضاء على الإرهاب.

أما انتخابات 2006 التي جاءت بنوري المالكي وحزب الدعوة، فقد أحرق فيها العراق “بفتنة طائفية” مصنوعة قطعة قطعة في مختبرات وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) هدفها القضاء التام على الجيش العراقي ووضع شباب العراق في سجن أبو غريب وغيره من دون توجيه أي تهمة لهم، جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية سيذكرها التاريخ واحدة من أبشع جرائم حزب الدعوة وأحزاب الاحتلال في هذه السنوات. وباسم خطة فرض القانون، تمت واحدة من أكبر عمليات التطهير الطائفي في بغداد وحزامها، وما تزال قائمة في محافظة ديالى، ومستمرة. ورافق ذلك تهجير كثيف للعراقيين وخطفهم واغتيالهم وابتزازهم. ومن دون حياء، تباهى نوري المالكي بما سميت صولة الفرسان وقتله الشيعة والسنة بالتساوي في البصرة والناصرية وبغداد، لتتبعها عمليات أم الربيعيين في الموصل، والإجرام غير الموصوف الذي نال العراقيين فيها. والمالكي المعين من سفارة الاحتلال، بحسب الجلبي، هو صاحب أشهر عملية انسحاب وتسليم لمدينة الموصل لداعش بكل أسلحة الجيش من أعتدة ودبابات، لكي تدمر على روؤس سكانها، ويتم تهجير غالبية أهلها فيما بعد بحجة الإرهاب. وفي عهده، حصلت مجزرة سبايكر المشبوهة، وتم نهب مليارات من المال العام. وصاحب مقولة جيش حسين ضد جيش يزيد وأنا شيعي أولا.

أنهى المالكي ولايته الثانية مطرودا من فندقه هو ووفده، بعد أن تم استدعاؤه وتعنيفه من أعضاء الكونغرس الأميركي. وعلى الرغم من فوزه في انتخابات 2014، تقرر استبداله بحيدر العبادي (الحاصل على 3000 صوت فقط) الذي يظهره الإعلام تكنوقراطا سينشر العدل والإصلاح بعد أن ساد الظلم والفساد. وصل العبادي إلى رئاسة الوزراء “وحاول” الإصلاح، كما قيل للناخبين، العراقيين الغاضبين من سوء الأوضاع، فقرر إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية الثلاثة “استجابة للاحتجاجات” الشعبية التي اقتحمت المنطقة الخضراء، وأرادت إسقاط البرلمان الفاسد وأعضائه، لكن المحكمة الاتحادية، وعلى رأسها محمد المحمود، تابع نوري المالكي، أرجعت النواب الثلاثة إلى مناصبهم، كأن شيئا لم يكن، فطوى العبادي الإصلاح عمليا، وبقى يكرّر الحديث عنه في الإعلام وفي كل مناسبة، إلى اليوم مع قرب 

“إجراء الانتخابات في العراق، أولا وأخيرا، مطلب أميركي” الانتخابات. وللعبادي، كما أسلافه، حصة حرب لتدمير العراق، وإبادة جزء من شعبه، فكانت “داعش” من نصيبه، وبدل أن يقوم رئيس الوزراء (المعين) بتفعيل تقرير لجنة التحقيق في سقوط الموصل، المشكلة من البرلمان عام 2014، والتي حددت بالأسماء الشخصيات المسؤولة عن تسليم المدينة، ومنها المالكي وقادة في الجيش، فإذا به يتجاهل هذا الحدث الخطير، هو و”البرلمان المنتخب”، غير عابئ بمطالب الناس التي أرادت معرفه أسباب تسليم الموصل، وانسحاب جيش عرمرم أمام ثلة من المرتزقة. بل الأدهى أن العبادي لم يحرك ساكنا لاسترجاع المدينة، وترك التنظيم يعزّز وجوده في المدينة إلى حين القرار الدولي الذي جمع 68 دولة لتنقض وتدمر ثاني أكبر مدن العراق، ولتحول الموصل خرابا، ودفن كثيرون من أبنائها تحت الأنقاض، مع سبق الإصرار، لأن الحكومة ترفض إنقاذهم وتتهمهم بالإرهاب ومساعدة “داعش”!

هذه أجندة الانتخابات وحكومات أحزاب العملية السياسية التي نصبها الاحتلال الأميركي على مدى 15 عاما، فصلت لخدمة خطط الولايات المتحدة وتكريسها على الأرض، وليس لخدمة الشعب العراقي، ولا لتحقيق الديمقراطية. إجراء الانتخابات في العراق، أولا وأخيرا، مطلب أميركي، ومطلب ملح لاستكمال الخطط التالية التي لن تكون أقل همجية ودمارا للعراق مما سبقه في السنوات الماضية، فالولايات المتحدة لم تكمل بعد أجندات غزوها، كما تشهد بذلك سياستها وبناؤها القواعد، وزيادة عدد جيوشها وسفارتها الأضخم في العراق. لذلك، أصدر المتحدث باسم سفارة الولايات المتحدة بيانا يعلن فيه عن ضرورة إجراء الانتخابات في وقتها، وعدم تأجيلها، على الرغم من وجود 2.6 مليون مهجر داخل العراق، وهو رقم لا يستهان به مع الكلام عن “الديمقراطية”.

رفض العراقيين، الواسع كما يبدو، وكما يتم تداوله في مختلف المدن، المشاركة في انتخابات محسومة النتائج سلفا، سيزعزع عنجهية تجار المقايضات والبيع والشراء بالوطن، وهي بداية لنزع الشرعية التي يتباهون بها، عبر ديمقراطية “على المقاس”، ينظمها لهم المكتب الأميركي في برلمان المنطقة الخضراء، لكنه غير كافٍ، بعد كل الخراب الذي لحقهم. إذ ليس أمامهم اليوم بعد تجريب المجرّب، وأكثر من عقد ونصف العقد، إلا خيار طرد من جاء مع المحتل في انتفاضة شعبية، واسترداد العراق، وإعادة بنائه على أسس ديمقراطية حقيقية، وإنقاذ من تبقى من شعبه.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *