الشعر بالواسطة

الشعر بالواسطة
آخر تحديث:

 بقلم :علي محمود خضيّر

هل بات الشعر محتاجاً إلى إيجاد علاقات جديدة بينه وبين الوسائط المختلفة ليصل إلى المتلقي العاديّ بصورة “تلائم” روح العصر الحديث الذي نعيشه؟ ثمة من يقول: نعم. يعتمد القائلون بالإيجاب على السؤال أعلاه على ابتعاد الناس عن الشعر، بل ابتعاد الكتاب والفنانين عنه، حتى بات تلقيه في بعض الأحيان مقتصراً على الشعراء فقط فيما بينهم! يقرأون لبعض ويحضرون لبعض، مع ثلة ضئيلة من المريدين.
الشعر متراجع كما هو حال أغلب الفنون الإنسانيّة، خاصةً تلك التي تكون ذات طبيعة غير نفعيّة “تسويقية”، كما وأن الطرائق الشائعة في تقديم الشعر عبر الأمسيات والندوات والمهرجانات باتت تعاني استهلاكاً ومللاً ونفوراً فرضته أسباب موضوعية وأخطاء متكررة لا مجال لشرحها.
من هنا انطلقت تجارب حاولت إيصال الشعر بالاستعانة بوسائط متعددة فنيّة وتقنيّة تقترب من المتلقي بوسائل محببة اليه متآلفة مع إيقاع حياته اليومية وتجددها المستمر كالغرافيتي والانيميشن والوسائط التكنولوجية.
في مصر، تقوم جماعة “ذات للشاعرات” ومنذ ثلاث سنوات تقريباً بتقديم مجموعة من الأنشطة غير التقليدية في تقديم الشعر ابتدأتها الشاعرة عبير عبد العزيز بتدريب الفتية على فن تلقي الشعر باستخدام فن الكاريكاتير في ديوانين شعريين، ثم تواصلت أفكار الجماعة لتقدم حملة “ادعم شِعر” التي انطلقت مطلع العام الحالي بمشروع تقديم 12 فكرة مبتكرة لإيصال الشعر على مدى 12 شهراً (بمعدل فكرة لكل شهر) مواصلة فلسفة الجماعة بمغايرة أساليب تقديم الشعر، فنفذت أفكاراً خلاقة منها: “الطوابع الشعرية” و”أنيميشن شعر” و”الشعر داخل المدارس” بجهود متطوعين من شعراء وفنانين ومهتمين بتطوير الوعي الفني لفئات المجتمع الناشئ.
في العراق أيضاً شرع بيت الشعر العراقيّ بتنفيذ مشروع لافت يتماشى مع السياق ذاته هو “مقاطع للمارّة” استهدف عرض ملصقات فنيّة تحتوي على مقاطع شعريّة لتجارب عراقيّة متنوعة وعرضها في أماكن عامّة ومدارس وجامعات ومقاه في إطار جهوده لخلق بيئة تواصل جديدة مع المتلقي البعيد عن صالات العرض الثقافيّ. في ظل هذه الاجتهادات، يبقى السؤال المهم هو: هل تنجح هذه الوسائل لوحدها في استدراج قارئ عابر لمنتج ثقافيّ ما، إن لم يكن، في المنتج نفسه، ما يؤهله من “صفات” للتواصل والجذب تستطيع اقناع متلقيها لوحدها؟ ثمّ، ماذا يكسب الشعر وماذا يخسر بهذه المعادلة الجديدة؟ وإلى أين سينتهي به الحال في مضمار مجهول ومجنون يبدو غير مضمون الجانب في نهاية المطاف، في وقت بات يُنظر فيه للفنون عامةً على أنها وسيلة ترفيه ومتعة لا غير، وهو من الأسباب الجوهريّة في صعود أسهم الرواية مثلاً بوصفها قادرة على تقديم “التسليّة” لقارئ عجول لا وقت له للتفكير والتأمل والتفلسف، وهي أدوات شعريّة بحتة. لا بأس بالوسائط في أن تكون “تذكرة” للعالم بأن ثمة جمالا فيه لا يزال يتنفس تحت ركام عصرنا، عصر “الصورة والدّم” المتسارع، شرط أن تظل تذكرة المكتمل بذاته، لا المحتاج المتوسل.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *