المتنبي.. والصخب الثقافي

المتنبي.. والصخب الثقافي
آخر تحديث:

عالية طالب
شارع يعج برائحة الكتب  والباعة والأرصفة المحشوة بالألوان ومعها صوت النقاشات واحتدام الحوارات الأدبية والإعلامية والسياسية وحفلات توقيع الإصدارات والعروض المسرحية ومعارض التشكيل وضجيج الصغار وحركة الشباب ورغبتهم بكل جديد. كل هذا يجري في المركز الثقافي البغدادي وأحيانا ينشطر بعضها إلى بناية القشلة المواجهة للمركز. وفي وسط كل هذا تبحث القاعات  بأنشطتها المختلفة عن زمن هدوء وإصغاء وتواصل حقيقي وتأمل وصمت يليق بالمرسل والمتلقي الموضوعي، لكن كل هذه الثنائيات لا تتوافر أبدا في جلسات قدر لها أن يكون جمهورها  غير متخصص ومتابعيها بعضهم من الهواة وبعضهم من المتفرجين وغيرهم من الباحثين  عن المتعة وقلة قليلة منهم هم الجمهور من ينطبق عليه وصف الحضور المتفاعل.!يوما بعد آخر يكبر في المركز الثقافي  توجه واضح نحو مزيد من الصخب الثقافي الذي جعل جدية ورصانة الجلسات  تفقد ثقلها واشتراطاتها البحثية وتصبح أقرب إلى  منتديات الثقافة الجماهيرية الشعبية التي يمكن أن تجعل كل المستويات الأدبية والثقافية في خط شروع واحد، وأن تتداخل تجارب الرواد مع الشباب وتصبح المنصات سهلة الارتقاء بما يجعل  فكرة « حرق المراحل « سهلة جدا ومغرية لكل من ابتدأ المشوار أو ما زال في بداياته الأولية !!هذه الظواهر الطاغية ستصيب  أعمال المركز بالنكوص الذي لا نرجوه له وسيغيب عنها لاحقا الجلسات الرصينة والتي تشتغل في مناطق تتطلب بعض من هدوء وكثير من إصغاء وثراء في الطرح والتناول واشتراطات مهنية وإدارية لأي نشاط ثقافي مهما كان مجال اختصاصه وجمهوره سواء أكان من  تجارب الشباب ام الرواد. ولأننا نحرص على أن تستمر عبارة « رئة بغداد الثقافية عامرة  بأحقيتها الفعلية وبراعتها المعرفية وجودتها الفكرية فأنها لا يمكن لها أن تنتج  زمنا لاحقا يتكامل مع الحالي إن لم تعمل فعليا على  وضع  الخطوط العامة والتنظيمية والإدارية   لترصين الانشطة وإيقاف هدر وقت المتلقي بجلسات  يمكن ان يقال عنها انشطة الرصيف الثقافي.هل نطلب بأكثر مما يتحمله واقع المركز «الجماهيري» ؟؟ أم إن ما نؤشره  هو حرص وطني على عدم تفتيت فكرة الثقافة الرصينة وتحويلها إلى صخب ثقافي  . علينا أن نؤسس لاحترام  مفهوم الثقافة وليس لاستسهال إدماجها مع مهمة الحكواتي والتهريج وتشتيت  الوقت  وعلينا أن نعمل مجتمعين لتثبيت صفة الثقافة الهادفة في أي تجمع  معرفي سواء أكان شعبيا أو نخبويا لنخلص المشهد الثقافي من صفات لا يحق لها أن تلتصق به يوما.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *