الموسيقى وبناء الإنسان

الموسيقى وبناء الإنسان
آخر تحديث:

أمجد ياسين
أربع مقطوعات موسيقية كانت هي برنامج حفل الفرقة السيمفونية العراقية بقيادة المايسترو علي خصاف ليل الجمعة الفائت.. الاولى بعنوان « ماحصل في الكرادة – الفاجعة – الغضب» تأليف قيس حاضر وتوزيع علي خصاف والثانية « انين امرأة عراقية « تأليف وتوزيع على خصاف والثالثة السيمفونية السابعة / الحركة الثانية لبتهوفن والاخيرة كانت من تأليف سليم سالم وتوزيع على خصاف وحملت اسم « طريق الحلم».لا نريد ترديد ماقيل بحق الفرقة السيمفونية العراقية وجمهورها التي تغص به قاعة المسرح الوطني او طبيعة الحضور الذي لا نشاهده في فعاليات اخرى، فجمهور الموسيقى الذي يتجشم عناء حضور حفلاتها والجلوس ساعتين كاملتين بهدوء هو غيره عندما يكون العرض مسرحية او احتفالا رسمياً، ظاهرة تجعلنا نقف عندها ونتفحصها بعين المسؤول لا الزائر.. ويمكن القول ان كل الفعاليات ذات الطابع الموسيقي تحظى بهذه النعمة من الهدوء والحضور الوقورين.
 ذات الامر والحال في اوروبا، فعندما دعيت لحضور الذكرى المئوية لتأسيس السيمفونية الهولندية كانت الاجواء نفسها والهدوء العذب حاضرين وكأن على رؤسنا الطير وقد سلبنا ارادة كل شيء الا الاستماع الى الموسيقى. هكذا كان حالنا.. وهنا يتبادر سؤال: لماذا لا نسعى الى ديمومة هذه الفعاليات في ليل بغداد الذي يعيش الانتصار هذه الايام كجزء من هوية مدينة وثقافة مواطنين؟  اعتقد ان على وزارة الثقافة ومؤسسات الدولة المعنية الانتباه لهذه النشاطات لما تحظى به من تأثير مباشر في المتلقي العراقي، وتجعل منها أرضية لاعادة لملمة الروح العراقية الخربة جراء الحروب والقتل والارهاب.
لا ندعي اذا ما قلنا اننا لم نر جمعا عراقيا بهذا العدد يصمت طيلة هذا الوقت وهو مستمتع بصمته. هي الثقافة ، ترياقنا الذي لا غنى عنه اذا ما اردنا النهوض مرة اخرى لبناء وطننا، واعادة الذائقة التي مزقتها الأغاني الهابطة وموسيقى الحروب والارهاب التي تعزف منذ عقد من الزمن لحن التطرف والغلو واقصاء الآخر ثقافيا واجتماعيا وسياسيا.
اثبت العالم ان الموسيقى علاج لبعض الامراض، فلم لا تكون علاجا وثقافة لنا وطرفا حقيقيا في بناء الانسان العراقي، ولنا في تجارب العالم ما يغنينا عن رأي المتفلسفين في هذا الامر. كان حفل الجمعة عراقيا بامتياز، الا من مقطوعة بتهوفن السابعة، فحضرت قضايانا المحلية وبالرغم من حزن موضوعاتها لكنها كانت جميلة ورائعة موسيقيا فحتى حزن الموسيقى جميل ونقي. لقد اصابت الشخصية العراقية خرابا كبيرا وتحتاج الى اعوام من الرعاية والتثقيف ونحن بما نمتلك من مسرح وموسيقى وتشكيل وأدب.. قادرون ان نعيد لها توازنها لترجع خلاقة منتجة.
 هي دعوة اذن، لدراسة هذا الامر ووضع رؤية علمية شاملة لمختلف النشاطات الثقافية والفنية والأدبية، وتخصيص مبالغ نقدية لها في ميزانية الدولة العراقية اسوة بباقي أبواب الصرف.. على الأقل كما تفعل دول العالم التي عاشت الحروب سابقا وتعيش السلام اليوم.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *