الموصل.. الظالمية الحاضرة والمظلوميات الماضية

الموصل.. الظالمية الحاضرة والمظلوميات الماضية
آخر تحديث:

 بقلم: أمين بن مسعود

الاستمرار في الطائفية المدعومة من إيران، قد يفضي إلى تحرير بعض المناطق واستعادتها من قبضة الدواعش وإخوانهم ولكنه لا يبني دولة المواطنة ولا يؤصل لفكرة المواطنة العابرة لكافة الطوائف.سؤال ما بعد التحرير العسكري من براثن تنظيم الدولة داعش الإرهابي أو الجماعات التكفيرية الأخرى، هو في الحقيقة سؤال المواطنة المفقودة والدولة الغائبة. هي منغصات التفكير العميق التي تحول دون الانخراط في جوقات التطبيل وسكر الفرح من حدث عسكري مهم في الموصل العراقية، ولكنّه يبقى بلا أثر وازن في ظلّ استحكام الطائفية السياسية وسياسة الطوائف المقوضة لفكرة الدولة والمواطنة.

سؤال ما بعد تحرير الموصل، أكثر أهمية من سؤال التحرير، لا فقط لأنّ الموصل وجزءا من القطاع الغربي العراقي يعيشان حالة من التهميش المؤسس بفرط عقاب جماعي مستدر من سرديات طائفية مقيتة، ولكن وهو الأهم لأنّ الدولة العراقية تعاملت مع معضلة الإرهاب من زاوية عسكرية وأمنية، ولم تقدّم بديلا اقتصاديا وسياسيا وثقافيا حقيقيا للموصل ولكافة أبناء العراق.

الاستمرار في الطائفية السياسية والمحاصصة الدستورية المدعومة من إيران، قد يفضي إلى تحرير بعض المناطق واستعادتها من قبضة الدواعش وإخوانهم ولكنه بالتأكيد لا يبني دولة المواطنة ولا يؤصل لفكرة المواطنة العابرة لكافة الطوائف.

صحيح أنّ الطائفية تمثّل طاعون العيش المشترك، ولكن هناك فرقا كبيرا بين الطائفية المتوازنة والمتوازية في السلطات والصلاحيات الموجودة في النموذج اللبناني حيث يفرض ذرّ منظومة الحكم على المذاهب والأعراق نوعا من توازن الطوائف وبالتالي يحتّم تعايشا بأمر الواقع بين اللبنانيين، وبين الطائفية الغالبة في النموذج العراقي، حيث تستحكم طائفة من الشعب العراقي على مقدرات البلاد والعباد وتجعل من الآخرين مجرّد أقليات في العدد أو السلطة أو النفوذ.

هنا نفهم الأسباب التي تجعل الكثير من العراقيين من طوائف أخرى غير الطائفة الشيعية يدعون إلى حظوظ أوفر في ظلّ النظام الطائفي، وهي ذات الأسباب التي تجعل الأكراد مثلا يجتهدون ويصرون على الانفصال والاستقلال من العراق.وطالما أنّ النظام العراقي الجديد معلول في طائفيته ويعاني وباء المظلومية التاريخية والظالمية الراهنة، فإن اللحمة الاجتماعية والانصهار المواطني بعيدٌ زمنيا وسياسيا.

بنفس المعنى أيضا بالإمكان أن نفهم أسباب نكوص بعض الأحزاب السياسية المحسوبة على الشيعة عن المطلبية المواطنية والتي تتأسس على مراجعة شاملة وكاملة لميكانيزمات العمل السياسي العراقي يستبدل الطائفية السياسية بالمواطنة العراقيّة.

ذلك أن معظم الأحزاب الشيعية بمن فيها تلك التي تتدثر بعناوين العلمانية ولكنها سرعان ما تطلب البركة من المرجعيات الكبرى، تثبت علوية مصلحة الطائفة على حساب الوطن، وترضى باستدرار مظلومية طائفية جديدة لن تكون شظاياها أقلّ من استقلال جغرافي في الشمال وانفصال وجداني وهوياتي في معظم الجغرافيا العراقيّة.

الواجب يفرض استجلاء مقومات البناء ومقدرات الإعمار الوطني والإنساني في الموصل، وهي أسئلة لا يبدو أنّ الفاعل الرسمي العراقي قد طرحها سواء لتسوية المسائل القائمة أو لحلّ الاستحقاقات القادمة.

دعوة بعض الأحزاب العراقية الشيعية إلى مؤتمر للمصالحة الوطنية بعد تحرير الموصل، يحمل في طياته الإقرار بالخطأ السياسي حيـال باقي المكونات، والاعتراف بأنّ الموصل خرجت من الجغرافيا العراقية بفرط السياسات الطائفية الرسمية قبل أن تدخل رسميا في جغرافيا الدواعش. إلا أنّ مداواة الطائفية الغالبة والظالمة بسياقها الحـالي، بطائفية معدلة وفق النموذج اللبناني ولو كانت بصيغة مرحليّة، قد ترضي بعض المذاهب ولكنها بالتأكيد لن ترضي العراق.

 شروط أساسية قد تشكل ترياق العراق وكينونة إعادة الإعمار الوطني والمواطنيّ؛ الحوار الشامل في قضايا الإنسان والأديان وإعادة تشكيل العلاقات مع الجوار، فصل الطائفية عن مؤسسات الدولة، والتعويض المادي والمعنوي لكافة ضحايا الظالميات الحاضرة بمقولة المظلوميات التاريخية.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *