بيت النص

بيت النص
آخر تحديث:

 بقلم :ياسين النصير

كنت من أوائل من اجترح مفهوما للنص أسميته “بيت النص”، وكان المرحوم الناقد يوسف نمر ذياب قد أكد هذا المفهوم في مناقشة باتحاد الأدباء عازيا وجوده للتفكير بالمكان، فالنص يسكن بيتا هو بيته، يفصله على محتواه، ويؤثثه حيث يتطلب النص، وقد استعرت هذا المفهوم من ابن رشيق واصفا إياه ، كالبيت من الشعر“الخيمة” وفصل ابن رشيق ما في  البيتين من تشابه،عمود البيت، عمود الخيمة، وأوتاد الخيمة أوتاد في البيت الشعري، وهكذا نجد البنية المكانية لا تستوطن اللغة فقط، بل الشعر والقصة والتشكيل والعمارة وبقية الفنون.لذلك لا يقتصر فهم آليات النّص على ما تقوله النظريات التي تتعامل مع النص من خارج بنيته الذاتيّة، أي من خارج بيته الذي يسكن فيه، إن معنى حضور الامكنة المؤتلفة في النص هو اقتران الإبداع بالطبيعة، إذ يمكن استعارة المفاهيم أدبيا دون أن يكون ثمة اقتران لها، ففهم مواضعة النّص بين النّصوص المشابهة له هو فهم لأمكنتها، قبل أن يكون الفهم لمحتواها، فكاتب القصة أو القصيدة يتعامل  مع فضائها الخاص بها، كما لو أنه بيتها الذي عليه أن يعرف طوبوغرافيته بالتفصيل قبل البدء بالكتابة، فالنّص تشييد لغوي لفضاء البيت الفني، والفضاء الذي تتشكل فيه للقراءة هو فضاء الورقة، هذا الفضاء الفني يمتلك خصائص البيت الواقعي، وبالطبع إن كاتب القصة أو القصيدة أو مخرج العرض المسرحي، سيكون على دراية بتفاصيل بيته الواقعي/ الفني، وبالكيفية التي يُسَكّن فيه شخصياته ولغته، إنَّه يبنيه وفق العلاقات بين أجزاء النّص والواقع، ويصل الأمر إلى اختيار الكلمات والجمل والعبارة والفصول كما لو كان يختار نوع الآجر والسيراميك والألوان ومشيدات السقف، فالنّص هو بيت فنيّ فيه ما في البيت الواقعي من خصائص وسمات ولغة، وقديما تصور ابن رشيق استعارة الخيمة كبنية إيهامية للبيت من الشعر، فعمود الخيمة عمود البيت الشعري، وأوتادها أجزاء من بنيتها الإيقاعية، وهكذا فصّل في المسافة بين مفردات البيت المترابطة ايقاعيا والمسافة بين جزئيات البيت/ الخيمة، فاستعارة  بيت الشعر“الخيمة”، لبيت الشعرِ، استعارة الأفكار كأشياء، ويمكن تشبيه القراءة بيتا للذاكرة، إن من يقرأ نصا قصصيا أو شعريا يسكنه ذاكرته، فيكون مشاركا في إنتاج محتواه وصوره وأبعاده وشكل لغته وهيكليته، ومن ثم يمكنه أن يبنيه من جديد عندما يعيد إنتاج مخزون الذاكرة في عمل آخر، بعض صورالنقد الاستعارية هو استثمار اقتصادي للأفكار المخزونة في الذاكرة . ويمكن تشبيه بيت الجماعة “المضافة والديوانية” بقاعة مشهدي العرض من يشاهد عملا مسرحيا أو موسيقيا أو اوبرا أو اوبريتا، يشاهده من مقعده في الصالة، ولكنه يشترك في العرض بوصفه جزءا من لهجة الجماعة المشاهِدة والمنتجة للعمل. المشاهدة تأكيد للفعل النّص الجماعي، فالمضافة تبني وحدة استعارية للقبيلة المشاهدين الموحدة.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *