“بسطات”شوارع مدينة الصدر شيوخا “للايجار”..المواطن هو الضحية!

“بسطات”شوارع مدينة الصدر شيوخا “للايجار”..المواطن هو الضحية!
آخر تحديث:

 بغداد/شبكة اخبار العراق- وسط سوق «مريدي» في شرق العاصمة بغداد تتنوع المهن والحرف التي يزاولها مئات الكادحين ، وبين فترة واخرى تظهر للعلن ممارسات من اجل التكسب عن طريق استغلال بعض القضايا والمشاكل الاجتماعية ،  بعض المقاهي في تلك  السوق اصبحت مركزا لتواجد اشخاص يمتهنون حل بعض النزاعات العشائرية البسيطة ، فمنهم من يعمل (مهوالا) او (مهوسجي) واخرون ينتحلون صفة (شيوخ)  لغرض مزاولة اعمال المطالبة بحقوق آخرين ممن ليست لهم ارتباطات عشائرية وثيقة تؤمن لهم الحماية من عداوة العشائر الاخرى . شيوخ للإيجار ظاهرة استئجار ( شيوخ وهميين) للمطالبة بمبالغ مالية من عوائل واشخاص مقابل نسبة معينة  يتفق عليها مسبقا من قبل صاحب القضية و(المنتحل لصفة الشيخ) اصبحت شائعة في الكثير من الحوادث والمشاجرات وبعضها تحولت الى مساومات القصد من ورائها استغلال الناس ماديا وكوسيلة مريحة لتكسب غير مشروع .يروي كاظم حسين (33) عاما صاحب محل لبيع المرطبات في بغداد: ان شابا جاء الى محله بصحبة آخر يرتدي الزي العربي ويدعي انه ( شيخ عشيرة): وقالوا له : ان شقيقهم قد سرق  مسدسه الشخصي من قبل احد العاملين في المحل ، فقد ترك سلاحه في السيارة التي كانت تقف امام  المحل لغرض تناول المرطبات، وبعد رجوعه للسيارة لم يجد المسدس ، وبعد مداولات وحديث، طالب (الشيخ) بدفع ثمن المسدس وثمن التطاول على «حرمة السيارة» وسرقة احد محتوياتها ، ويضيف حسين ، الغريب ان هذا الشيخ طلب (1500 دولار) كثمن لقطعة السلاح المفقودة و5 ملايين دينار كفصل عن الاعتداء ،وبعد محاصرة « شيخ الحواسم» من قبل وجهاء وشيخ عشيرتي ومطالبته بحضور شيخ العشيرة الاصلي التي ينتمي اليها ، هرب الاثنان ولم يرجعا .من اجل ان يحيط ( شيوخ الايجار) انفسهم  بهالة وهمية تستدرج الزبائن فقد عمدوا الى ايجاد وسطاء وسماسرة يجلبون اصحاب القضايا ويتفقون معهم مسبقا على ثمن (طلعة الشيخ ) ورفاقه ، ويسألون الزبون اذا كانت لديه سيارة حديثة تقل (الشيخ) او يقوم هو بتدبر امر السيارة ، وفي هذه الحال ستترتب على الزبون اجور اضافية ، لم يكن من السهل الحديث مع ( شيوخ الايجار) فقد امتنع اغلبهم عن الحديث خلال زيارتنا لهم في المقهى التي يجلسون فيه منذ ساعات الصباح الاولى ، والبعض منهم انتقدنا بكلام لاذع « عايفين المشاكل وبوك المسؤولين ولاحكينه»،  وبعد مشاورات مع احدهم ومقابل « وجبة غداء» قبل بالحديث عن بعض مايجري في «مسطب شيوخ الايجار» كما يسميه ، فهو يعمل «مهوال» في المناسبات والمآتم ولاعلاقة له بعمل المطالبة بالفصل العشائري الذي يمارسه زملاؤه في المقهى ، يقول وسام حميد عبد (21) عاما : اعمل «مهوسجي» في مناسبات المآتم والتجمعات العشائرية ، انظم القصائد والهوسات واقوم بمرافقات (العراضة) للعشائر التي تريد تعزية عشيرة اخرى بفقدان احد وجهائها او شيوخها ، ومن خلال وجودي في المقهى ، ياتي ممن لديهم قضايا عشائرية عالقة لاستئجار اشخاص ينتحلون صفة شيوخ لغرض مطالبة الخصوم بمبالغ مالية عن حقوق سلوبة  بعضها حقيقة واخرى لاصحة لها ، واضاف حميد : «اصل تكاثر المنتحلين لصفة الشيوخ جاء بعد العام 1991 ، وتطور الموضوع  ليصبح مشاعا لدى العاطلين عن العمل ومن لهم هوس انتحال الصفة ، وبعض الموجودين في المقهى يختفي لفترة طويلة بسبب استلامه لمبلغ من المال من قبل (صاحب المشكلة) من دون ان يقدم له شيئا ، واغلب الموجودين لايفصحون عن اسماء عشائرهم الحقيقة ، بل ينتحلون اسماء عشائر اخرى لغرض التمويه» . الطالب ايمن عبد الواحد (17) عاما  روى تفاصيل عملية الاحتيال التي مارسها معه احد (الشيوخ الوهميين) ، اذ يقول : «كنت لا أملك اجازة سوق واخذت سيارة ابي خلسة في اوقات الظهيرة للتجول بها خلال فترة نومه ، وفي احدى المرات صدمت بها  طفلا كان مارا بالشارع ، ولم يتعرض الى اصابات شديدة ، لكن اهله اخذوا مستمسكاتي الشخصية كضمان للتفاوض معهم، وخوفا من ابي لجأت الى صديق دلني على ( شيوخ يتوسطون لحل مثل هذه القضايا مقابل مبلغ من المال ) وذهبت مع صديقي الى مقهى في سوق مريدي ، واتفقت مع رجل في الثلاثينيات من العمر يرتدي الزي العربي وينادونه باسم ( شيخ جاسم) ، طلب مني مبلغ (250) الف دينار في بداية الامر ، ثم توصلنا لاتفاق على مبلغ (150) الف دينار، مقابل حل الموضوع مع اهل المصاب ، وبعد تسلمه المبلغ مقدما ، ذهب الى اهل الطفل  بصفته ( شيخ فخذ) من العشيرة التي انتمي اليها، واتفق معهم على استحصال مبلغ مليون دينار مني كفصل عشائري عن الاضرار التي تعرض لها ابنهم مقابل دهسي له ، واخبرني بانهم اناس متشددون ولن يقبلوا باي تنازل وطلبوا مبلغ مليوني دينار ، لكنه استطاع ان يخفض المبلغ الى مليون دينار فقط  ،  وبسبب عدم قدرتي على دفع هذا المبلغ اضطررت في نهاية الامر ان اخبر والدي بالموضوع  فذهب الى اهل الصبي وتحدث معهم وتم حل الموضوع وديا من دون ان ندفع لهم شيئا ، اما (الشيخ النصاب) فقد اخذ مبلغ الـ( 150) الف دينار واختفى من المقهى .  الباحث الاجتماعي مهند فاضل الياسري  اشار الى وجود ظواهر اجتماعية دخيلة بعد العام (2003 ) اضطرت  اليها بعض العوائل العراقية بسبب غياب القانون والانفلات الامني للاحتماء بالعشيرة واحياء بعض العادات والتقاليد القديمة والبالية، وتحوّلت العشيرة من مفهوم الدفاع عن المظلوم وأخذ الحق من الظالم إلى عملية متاجرة وتكسب ، الامر الذي دعا الكثيرون ممن تواجهم مشاكل ولاينتمون الى الاعراف العشائرية الى البحث عن منقذ او وسيط يستطيع التعامل مع تلك العشائر سواء كان معتديا او معتدى عليه ، ومع تطور عمل (الشيوخ الوهميين الوسطاء) تحول الامر الى متاجرة في بعض القضايا او كما يسمونها (ضربة ) في الاشارة الى حجم المبلغ الذي يحصل عليه المنتحل لصفة الشيخ ، وبين الياسري : ان اغلب زبائن هؤلاء (الشيوخ الوهميين) هم من عائلات من ديانات اخرى غير الاسلام وبعض المتمدنين ممن لايرتبطون بالاعراف والعلاقات العشائرية ، واخرين ينتمون لعشائر ، لكن بسبب عدم الحق في مطالباتهم الابتزازية يلجؤون الى مثل هؤلاء الأشخاص. المحامي علي الساعدي بين  ان  القانون العراقي ينظر في جميع القضايا حسب نصوص المواد القانونية، ولاتأثير لقانون العشيرة او القبيلة ، وفي حالات جرائم القتل لن يعفى تنازل ذي المجني عليه من العقوبة ، ويمكن ان يسهم في تخفيفها اذا كانت غير مقصودة او دفاعا عن النفس ، اما قضايا النزاعات العشائرية المتعلقة بالمال والاراضي والاعتداء ، فان القانون يفصل في الكثير منها بشكل اصولي ما لم يحصل تراضٍ بين الخصوم أو أن تقوم تلك العشائر بحل مشاكلها من دون اللجوء للمحاكم ، وبسبب شيوع مبدأ الفصل العشائري في الكثير من القضايا من دون اللجوء للقانون ، برزت ظواهر كثيرة غير متمدنة ، منها  مهنة (شيوخ وهميين للوساطة) او (شيوخ الايجار) ، وهم في الحقيقة  ليس شيوخ وانما مجرد اشخاص يجيدون التلاعب بالكلمات والالفاظ والحديث باساليب ناعمة وخشنة وحسب طبيعة الخصم ونوع القضية ، وهم يعملون وفق اجور يتفق عليها مسبقا ، ونحن كمحامين نحذر بشكل دائم جميع المواطنين من التعامل مع هؤلاء الأشخاص الذين ياتي قسم منهم كشهود للمحاكم وهم ليسوا طرفا في القضية ، وانهم اساؤوا الى سمعة شيوخ العشائر الاصلاء الذين لايقبلون بمثل هذه الممارسات المعيبة .الدكتور عبد الرحيم السراي استاذ علم النفس في جامعة بغداد : اشار الى وجود هذه الظاهرة منذ فترة التسعينيات، واصبح لبعض (الافخاذ العشائرية) اكثر من شيخ بسبب الاختلاف على الزعامة ، فتشظت الكثير من العشائر الى فرق وجماعات ، الامر الذي فسح المجال امام بعض الاشخاص الوصوليين للادعاء بانهم (شيوخ ) واستغلال صفتهم القبلية لاغراض التكسب من خلال التدخل لحل بعض النزاعات المتعلقة بقضايا (الدهس) و(المشاجرات) واسترجاع (الديون) ، اما القضايا الكبيرة كجرائم القتل فلا وجود لمثل هؤلاء الأشخاص  فيها ، لان غاياتهم هي التربح وليس التعرض للمهالك ، ويضيف السراي : كظاهرة اجتماعية مسيئة لقيم واخلاق العشائر العربية الاصيلة ، لابد من للقانون والاجهزة الامنية ان تضع حدا لمثل هذه الممارسات التي تؤسس الى بزوغ نظام اجتماعي لا أخلاقي  يهدد الأعراف والتقاليد العشائرية الاصيلة المعروفة بكرمها وسخائها ونصرتها للمظلوم ، بعكس مايقوم به هؤلاء الاشخاص من استغلال للحوادث والظروف الصعبة التي يتعرض لها بعض الاشخاص .الشيخ حسن الياسري امام جامع قال:» مثل هؤلاء الاشخاص ، عملهم محرم شرعا ، الا اذا كان في اصلاح ذات البين ومن دون مقابل ، فليس من اخلاق الدين امتهان عمل لاستغلال ظروف الناس واوقات ضعفهم ، والمرجعية حرمت بعض الحالات التي يبالغ فيها البعض في الفصل العشائري واعتبرته غير جائز ومحرم شرعا ، لانها ترى فيه انه يفوق قدرة المقابل على دفع الدية المنصوص عليها في الشرائع السماوية، أما مايخص تصرفات بعض الاشخاص ممن يدعون انفسهم (شيوخا) او وسطاء لسلب الحقوق من المستضعفين او ابتزازهم والتحايل عليهم ، فهو ارتكاب لمعصية وعمل لا أخلاقي يحرمه الدين ، وحذرنا منه كثيرا ، لان مثل هؤلاء الاشخاص من الممكن ان يشعلوا الفتنة ويضرموا النار في الهشيم من اجل الوصول الى غاياتهم الدنيوية».

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *