شناشيل : التسوية التاريخيّة.. نعم، لكنْ كيف؟

شناشيل : التسوية التاريخيّة.. نعم، لكنْ كيف؟
آخر تحديث:

 

عدنان حسين

أخشى من أننا سنبدّد الكثير من الوقت، ونستنزف الكثير من المال، و نضيّع هباءً الكثير من الجهد، سعياً وراء تحقيق “التسوية التاريخية” التي أُعلِن عن أن التحالف الوطني ( الشيعي) قد طرحها أو يسعى لطرحها على الأطراف المقصودة، وهما طرفان في الواقع: السنّة والكرد.

ليس مردّ هذه الخشية إلى النهاية البائسة لكلّ مشاريع “المصالحة الوطنية” التي طُرِحت وأُنفِقت في سبيلها مئات ملايين الدولارات وآلاف الساعات من الوقت والجهد، حتى صارت مؤتمرات المصالحة واجتماعاتها ولجانها العليا والدنيا مجالاً واسعاً للتندّر في الأوساط الشعبية كما في الأوساط الإعلامية والثقافية، منها على سبيل المثال الشعار:” كُلْ شيئاً من أجل المصالحة”، في إشارة إلى اختزال قضية المصالحة إلى الولائم الباذخة!

كما المصالحة الوطنية، التسوية التاريخية عمل كبير وإنجاز عظيم، إن قُدّرله أن يتحقق، يستحقّ كلّ ما يلزم من مال ووقت وجهد، لكنّ مقتله، كما هو مقتل مشاريع المصالحة الفاشلة، يكون بأن يجري التركيز على إعداد وثائق منمّقة تكاد أن تكون من نمط قصائد الحماسة في الشعر التقليدي، والحال إنَّ عملاً كبيراً كهذا يتطلب أن يجري التمهيد له بأعمال تدفع بكل الأطراف إلى التقدّم من دون وجل أو تردّد نحو التسوية أو المصالحة.

التسوية التاريخية لن تكون، مثلما لم تكن المصالحة الوطنية طوال السنين الثلاث عشرة الماضية، مع بقاء خطاب الكراهية الطائفية والقومية، هذا الخطاب الذي تتصاعد نبرته الآن ويتّسع نطاقه عبر محطات الإذاعة والتلفزيون والصحف وفضاء الإنترنت وفي المساجد والجوامع والحسينيات وقاعات الاجتماعات العامة والخاصة.

والتسوية التاريخية، كما المصالحة الوطنية، لا يمكن بلوغها بمواصلة النبش في ما مختلف فيه ومتنازع عليه من الماضي، ولا بطرحه بطريقة مثيرة للضغائن وأُسلوب استفزازي، وهو الأمر الحاصل الآن على قدم وسائق من كلّ الأطراف المعنية بالتسوية والمصالحة.

وبطبيعة الحال فإنَّ التسوية التاريخية لن تتحقق، مثلما لم تتحقق المصالحة الوطنية، قبل تعديل مسار العملية السياسية وإعادة هيكلتها، وهو ما يتوجّب معه وتمهيداً له تعديل الدستور الذي يقرّ الجميع الآن بأنه حافل بالألغام التي تفجّر الكثير منها في مئات الآلاف من العراقيين، وثمة الكثير منها أيضاً قابل للانفجار في كل ساعة. وتعديل الدستور لا يعني شيئاً من دون تعديل القوانين الناقصة والمنحرفة التي سُنّت على مدى العقد الماضي، ومن دون تشريع القوانين المعطّلة المتعلّقة ببناء الدولة والتي ألزم الدستور بسنّها ولم يحصل شيء بشأنها.

وإعادة هيكلة العملية السياسية وتعديل الدستور وتشريع القوانين اللازمة لبناء دولة ديمقراطية فيدرالية مدنية لن يتحقق من غير أن تُغيّر الطبقة السياسية المتنفذة في الحكم من نظرتها إلى الدولة ومناصبها ووظائفها .. أعني نظرة الغنيمة التاريخية.

قبل وثائقكم، دعونا نلمس منكم الأفعال المُفضية إلى طرق التسوية التاريخية أو المصالحة الوطنية، وأولها تجفيف منابع الكراهية في الخطاب الديني والدعائي.

 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *