في ذكرى الحرب واحتلال العراق: مساع جديدة لتكرار سيناريوهات مظلمة في المنطقة

في ذكرى الحرب واحتلال العراق: مساع جديدة لتكرار سيناريوهات مظلمة في المنطقة
آخر تحديث:

بقلم : سمير عادل

في ذكرى غزو العراق واحتلاله لا بد من القول والتذكير بأن ما حدث للعراق جراء السياسة الأميركية لم يكن محض صدفة ولم يكن خطأ أميركا وساستها بأنهم لم يفهموا تاريخ العراق.لا شيء جديدا أكثر مما قيل من قبل عن جرائم أميركا وحلفائها في العراق، ولا شيء جديدا يحكى عن تحويل العراق إلى بلد فاشل ودولة فاشلة بالمعنى المطلق للكلمة، ولا شيء جديدا نضيفه إلى الذكر من عمليات النهب والفساد والسرقة التي دشنها الرئيس المدني للاحتلال بول بريمر في مقابلة مع إحدى القنوات الأميركية، عندما سئل عن اختفاء 12 مليار دولار في الأشهر الأولى من استلامه لوظيفته في العراق، وجاء جوابه بشكل غاضب “لا أعرف” (I don’t know)، فلا إضافة لنا إذا قلنا وعلى لسان الأحياء المخضرمين أو الذين لم يكونوا في المكان الخطأ والزمن الخاطئ كي تقتنصهم حروب الأمة العربية أو مقاصل الإعدامات، إن العراق في ظل الدولة البعثية الفاشية والاستبدادية هو أقل سوءا مما نعيشه اليوم وليس كما يروّج له إعلام الأحزاب الإسلامية التي وصلت إلى السلطة في غفلة من الزمن وبفضل الغزو والاحتلال، بأن العراق يعيش في واحة الديمقراطية، والتي قولبت كل معاني الحياة في العراق بصناديق الاقتراع، وهي من تفتحها وهي من تغلقها، وعندما يتم التحقيق عن التزوير فيها، تقوم بحرقها، وفضلا على كل ذلك تُحَمّلَنا منّة بأنها سليلة الحسب والنسب للديمقراطية، وأكثر ما تعني في فلسفتهم ونظريتهم في الحكم التداول السلمي لعمليات النهب والسلب ومحاولة لقمع كل أشكال الحريات مثلما حدث تحت يافطات نشر “الفيديوهات الهابطة” ومنع المشروبات الكحولية وتغليفها بهالة من العناوين الفارغة من المحتوى التي انتهت موضتها مثل خدش الحياء والذوق العام وتقاليد المجتمع، لطمس ماهيتها الاستبدادية، ولكن بشكلها الناعم!

ويجدر بالذكر أن حياءها لا يُخدش عندما تروّج لنظريتها أي نظرية الأحزاب الإسلامية لتبريرها لكل سنوات السلب والنهب، بأنه من الحلال (سرقة الأرض، ما فوقها من عقارات، وما فيها من موارد طبيعية، فهي مشاعة ولا حق لأحد فيها). أما المواطن العادي فله قسمته بالأرض كما يقرر له الله وليس من حقه الشكوى والتذمر والغضب، وأجره في السماء، والله لا يحب إلا المحسنين، أي الصامتين والخانعين وكل من لا يفكر بانتزاع رغيف الخبز الذي سرق من فمه وفم أسرته.تلك النظرية الجهنمية هي ما تستند عليها الأحزاب الإسلامية التي استحوذت على السلطة السياسية كي تغتني وتنتفخ جيوبها وبطونها، وتموّل ميليشياتها كي تحميها، فإذا كانت تلك النظرية جزءا من نضالها الفكري بالاعتناء وتشكيل أكثر الأجنحة الطبقة البرجوازية حثالة في المجتمع، فعلى الصعيد السياسي ابتكرت عنوانا جديدا لها وهو محور المقاومة والنضال ضد الاستعمار وسن القرارات ضد التطبيع مع إسرائيل، وكل من خرج للمطالبة بالحرية والمساواة اتهم بأنه من أولاد السفارات وعميل أميركا لتقتنصها ميليشياتها من أعلى البنايات أيام انتفاضة أكتوبر، في حين هي من كانت مطية أميركا بامتياز، وهي من كانت تستجدي أمام أبواب السفارات الغربية عشية غزو العراق واحتلاله كي تنال رضا الإدارة الأميركية، وهي من كانت تتوسل للحصول على مباركة مهندسي احتلال العراق بوش وتشيني ورامسفيلد، وتتملق لزلماي خليل زاد كي يشكلوا إقطاعيتهم في العراق.

في ذكرى غزو العراق واحتلاله، لا بد من القول والتذكير بأن ما حدث للعراق جراء السياسة الأميركية لم يكن محض صدفة، ولم يكن خطأ أميركا وساستها بأنهم لم يفهموا تاريخ العراق، أو أخطأوا بحل الجيش العراقي كما روّج ويروّج له عرابو الاحتلال المحليين أمثال إياد علاوي ولفيف من العروبيين الذين تنكروا بالزي الطائفي كي يحصلوا على مقعد في مجلس الحكم أو السلطة، فإذا لم تسنح لهم الفرصة بدراسة المجتمع العراقي والتتلمذ على يد علي الوردي الباحث في علم الاجتماع وهو قبلة المثقفين الليبراليين الجدد الذين ظهروا بعد الغزو، وهم لا يمكنهم أن يروا أكثر من وقع إقدامهم، فما هو تفسير ما حدث في أفغانستان بعد عشرين عاما من الاحتلال، ألم يكن لديهم “علي وردي بشتوني” كي لا يفهموا بتاريخ المجتمع الأفغاني وبالتالي ليتم تسليم نساء أفغانستان على طبق من ذهب إلى طالبان، الوحوش الذين قدموا من خارج التاريخ الإنساني؟

إن تسليم العراق إلى الأحزاب الإسلامية التي تحكم العراق اليوم وكتابة دستور مشوّه لا يمكن أن يفسره إلا أولي الألباب وحسب توازن القوى في الصراعات السياسية على السلطة، وأحيانا يتم التفسير لأيّ من بنود الدستور على أساس قواعد “المعنى بقلب الشاعر”، ثم بعد ذلك عندما مالت كفة تلك الأحزاب إلى خارج الفلك الأميركي صنعوا عصابات داعش وسلموا لها ثلث مساحة العراق بفضل الأسس التي بنيت عليها السلطة في العراق، لكي يتأدب المختفون وراء أبواب المنطقة الخضراء، ويتعلموا قبل كل شيء آداب المائدة، ويأخذوا درسا في التاريخ بأنهم ليسوا أكثر جماعات ليس لها جذر اجتماعي يمكن لها الصمود إلا بالسلطة والمال الذي نهبوهما.

فما حدث في أفغانستان أعد له في العراق عندما كشف مستشار الأمن القومي الأميركي السابق زيبينغو بريجنسكي في عام 2003 بعد غزو العراق في لقاء مع صحيفة روسية، أن إيصال الأحزاب الإسلامية ومنها الموالية لإيران إلى السلطة هي من مصلحة الأمن القومي الأميركي.وما يحدث اليوم في أوكرانيا هو امتداد لسياسة أميركا. فبعد تكسير عظام الأوكرانيين وتحويلها إلى وقود لوقف التمدد الروسي الإمبريالي في أوروبا، سيتخلى البيت الأبيض آجلا أو عاجلا عن فولوديمير زيلينسكي وجوقته الفاسدة، ويسلم أوكرانيا الى روسيا على طبق أقل من ثمن تقديم طبق أفغانستان إلى طالبان، بعد إذلال شعبه وتحطيم معنوياته وإرادته بالحرب والدمار ونهب ثرواته، كما عشنا واختبرنا سنوات السياسة الأميركية في نشر الديمقراطية والرفاه في العراق.

ولن تتوقف السياسة الأميركية عند حدود تلك البلدان، فها هي تعد نفس السيناريو لإيران، كما أعدته من قبل مع حلفائها الغربيين أثناء اندلاع ثورة 1979. فوأد الثورة في إيران هو من أولويات مراكز الدراسات وصناع القرار في العمق الأميركي. فالرياح القادمة من إيران ستعصف بكل الأسس التي تستند عليها السياسة الأميركية والغربية، وهي تقلع جذور الإسلام السياسي أو على الأقل تدفعه إلى الانزواء، وتصبح السياسة الأميركية حينها عارية وليس لها من مطية أو عرّاب أو بلطجي لتمرير قرارات مؤسساتها الاقتصادية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إنها، أي تلك الرياح، ستغير وجه العالم وتحاول أميركا جاهدة للوقوف بوجهها وتفريغها من محتواها الثوري والتحرري.في ذكرى غزو العراق واحتلاله، على المتوهمين بالسياسة الأميركية الاستيقاظ من أوهامهم، فالوهم لا يضلل المتورطين به فحسب ويضيع بوصلتهم، ففي الكثير من الأحيان يقتلهم.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *