محاولات لكسر أزمة تدوير الثقافة العربية

محاولات لكسر أزمة تدوير الثقافة العربية
آخر تحديث:

عفاف مطر

يبدو أن الثقافة العربية ليس وحدها في أزمة، بل الشعر والجمال أيضاً في أزمة، فقد انتهى تاريخ الثقافة العربية منذ سقوط بغداد، وما جاء بعدها كان ثقافةً عثمانيةً وغربيةً. بعد سقوط بغداد لم ينهض العرب بأي مشروع ثقافي عربي حقيقي، ومن هنا فإن مشكلة الثقافة العربية ليست سياسية فقط، بل حضارية أيضاً، فعلى الرغم من أن البلاد العربية زاخرٌة بالمواهب الفردية إلا أن هذه المواهب تحتاج إلى مؤسسات تساعدها وتساندها وهو ما يتوفر للمبدع الغربي؛ لهذا ساتناول هنا موضوعة الثقافة العربية التي تعاني من أزمة تدوير قاتلة ولكن ساستعين بموهبتين متفردتين، هما المفكر  أدونيس والروائي المصري علاء الأسواني. وسأبدأ من النهاية إذ قد تعود انتكاسة الثقافة العربية إلى اعتماد الشباب العربي على الجامعات للتزود بالمعرفة، غير أن الجامعات ليست سوى بيئة تدفع الطلاب نحو البحث عن المعرفة والتساؤل، وهذا أحد أسباب جمود الثقافة العربية، ونستطيع أن نستدل على هذا الجمود بأن المثقفين العرب ما زالوا يستشهدون بالـ”الجرجاني”.
قد تكون العلة في امتناع العرب عن طرح التساؤل، فالدين قد أتى بكل الأجوبة لكل المعضلات ولكل الأزمنة، وهذا الفهم غير الصحيح قد أدى إلى تراجع وتخلف الثقافة العربية، بل ومحاربة الكثير ولا سيَّما الشعراء ومنهم الصوفيون حينما حاولوا التعبير بطريقتهم الخاصة في طرح تساؤلاتهم ورؤيتهم للحياة برمتها والموت أيضاً، فتم ادخالهم إلى دائرة الحلال والحرام والجنة والنار ومنهم من قُتِل بابشع الطرق ومنهم من نجا، وعلى الرغم من مرور العديد من العقود على تلك الحوادث المؤسفة إلا أن الكراهية للشاعر المفكر مازالت تتأجج في نفوس العديدين، هذا الشاعر سيجبرهم على التفكير ومراجعة الذات، وهم قوم اعتادوا في تلبية تساؤلاتهم واجابتها على مصادر متوفرة غير قابلة للتغيير أو التطوير. الأدب ليس واجهة لصاحبها وليس علماً، بل هو حقلٌ للبحث والمعارف الإنسانية، وبما أن الإنسان يتغير بمرور الزمن والظروف إذن من البديهي جداً أن يتغير معه الأدب، لذا أرى أنه من الاخطاء الشائعة اطلاق صفة مفكر على الكثيرمن المثقفين والكتاب العرب من دون وجه حق، فالمثقف الذي لا يطرح تساؤلاً يدفع فيه الناس إلى البحث عن أجوبة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نطلق عليه مفكراً، فالقيمة لاتكمن في الجواب إذ من الممكن أن نستحصله من عدة مصادر أو عن طريق البحث، لكن القيمة الفعلية هي في طرح السؤال الذي يدفع المقابل للبحث عن الجواب. ولهذا اخترت أدونيس الذي ما زال يطرح تساؤلاته وعلى رأسها(من أنا؟ ومن الآخر؟ وما علاقتي به؟ ولماذا أكتب الشعر؟).
 ومن الأخطاء الفادحة التي أدت إلى جمود وتدوير الثقافة العربية هو موضوع توارث الهوية! فالهوية تتشكل وتتأثر بعلاقتنا بالآخر وبالعالم أجمع ثم تتبلور فتكون “هوية” وأدونيس ممن رفضوا وراثة هذه التركة الجاهزة. أدونيس يشبّه علاقتنا بالآخر بعلاقة الرجل بالمرأة! فكلما كان هناك اختلاف بينهما كانت العلاقة أغنى، إذ يعطي كل طرف إلى الطرف المقابل ما ينقصه، كل منهما يكمل الآخر. 
وحتى كتابة السيرة الذاتية يرى أدونيس وهو عاكف منذ سنة ونيف على كتابة سيرته الذاتية، أن السيرة لا يلجأ إليها الكاتب خوفاً من خيانة الذاكرة، بل لمواجهة النفس ومحاولة منه لفهم الحياة وفهم الآخر، ولهذاحتى الآن لم يقرر الطريقة التي سيكتب بها سيرته الذاتية، وهذا يدل أن الهدف من كتابة السيرة الذاتية ليس سرد الحكايات أو اشباع فضول الجمهور والمتطفلين، أو تأريخ التأريخ، بل هو طرح قضية  الحياة نفسها. ومادمنا تكلمنا عن الآخر فلا بدَّ لنا من تناول دور المرأة في موضوع الثقافة العربية التي لا نستطيع أن نلومها بقدر ما نلوم الرجل ليس لقصر فيها بل لأن صاحب السيادة والسيطرة نفسه عاجز! فما بالك بالمرأة التي مهما راوحت وراوحت لن يسمح لها إلا أن تراوح في مكانها، لكن مع ذلك تلام بالقدر المسموح لها ولنا؛ فقضية الروح والجسد هذه القضية التي شغلت ليس فقط العاملين في مجال العلوم الانسانية بل وحتى علماء الفسلجة  والطب.
 كان أولى بالمرأة أن تتحدث عنها، فهي أقدر من الرجل على التعبير عن هذا الموضوع، لكنها للأسف تناولت موضوع الجسد من باب الجنس ولاسيَّما روائياً في قصص الحب وحكايا الغرام تتبع بذلك خطوات الرجل، مع العلم أنها تعرف وتؤمن أكثر منه أن الجنس هو جزء من الحب وليس الحب كله. عبر كل هذا نجد أن أدونيس يحاول تحريك عالماً بأكمله، يأتيه من الجوانب كلها، من هنا ومن هناك، وهذا ما لم يفعله أي مثقف عربي آخر للأسف. من جانب آخر وبشكل لا أقول شخصي وأنما وطني نرى محاولات جادة في مصر على يد الروائي علاء الأسواني، ولا داعي لتعريف علاء الأسواني فالمعرَّف لا يعرَّف، كما لا أذكر هنا مواقف الأسواني التي عرُفَ بها بعد ثورة 25 ينايركانون الثاني، بل مواقفه ضد السلطة منذ أيام مبارك، فروايته التي اطلقته لعالم الشهرة “عمارة يعقوبيان” التي اعتذرت دور النشر المصرية كلها عن طباعتها لما تحمله في متنها من أفكار تتعارض مع سياسة الحكومة حينذاك كانت محركاً أساسياً سبق قيام  الثورة.
 لست في صدد التحدث عن السياسة مع أن السياسة جزء لا يتجزأ من واقع الثقافة في أي بلد، لكن أتكلم عن علاقة الأدب بالثورة، لأن الثورة في أي بلد هي نتاج حركي متبادل بين الثقافة والسياسة، ولولا هذه الحركة المتبادلة لا يستطيع أي مجتمع من انتاج ثورة بغض النظر عن نجاحها أو أخفاقها، وبالتالي فإن مواقف أدباء ما بعد الثورة لا تساوي ثمن الورق المكتوبة عليه.فالأدب الثوري كما يحلو للأسواني أن يطلق عليه هو المحرك والدافع للثورة وليس نتاجها، صحيح أن الأدب ما بعد أي ثورة يجب أن يختلف عما كان سابقاً،فعلى الأقل يجب أن يلبي متطلبات الواقع الجديد، لكن لا يطلق على الأدباء صفة “ثوريين” إلا أولئك الذين حركوا الواقع الاجتماعي فتمت ولادة الثورة والتغيير، فلا يمكننا مساواة جان جاك روسو مع أدباء فرنسا الذين أتوا بعد قيام الثورة الفرنسية أو الذين لم يشاركوا بكلمة واحدة في التغيير مهما كان نتاجهم ذو قيمة عالية، فقيمة الأدب تاتي من تأثيره الحقيقي وليس من أطراء النقاد أو القراء أو الجوائز. وهنا يمكن الفرق الكبير بين الكاتب العربي ونظيره الغربي، فالكاتب الغربي يكتب لمجتمعه، لأبناء شعبه، أما الكاتب العربي فيكتب لنظريات النقد والمقالات الصحفية والجوائز. لهذا كله تظهر لدينا أزمة كبيرة وهي أزمة القارئ العربي، ولعلّ في ما سبق بعض أجابة عن سؤال مهم وهو” لماذا يعزف المواطن العربي عن القراءة؟”. 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *