وأخيرا جيش الدولة في كردستان

وأخيرا جيش الدولة في كردستان
آخر تحديث:

بقلم: إبراهيم الزبيدي

بالعودة إلى الجذور نكتشف أن المصاعب والاحتباسات والانتكاسات والمصاعب والمآزق التي شهدها الوطن العراقي، في أغلبها، من صنع شخص واحد تولى قيادة نصف الشعب الكردي بالوراثة الإقطاعية التي أنشأته على ثقافة المشيخة، وزرعت فيه وهم القوة والقدرة على إخضاع الكبار في النصف العربي من العراق وفي المنطقة والعالم، كما يفعل بأبناء عشيرته وخدمه المطيعين.

ففي أعقاب حرب تحرير الكويت أوحت له المصالح الدولية الحاذقة الراغبة في ترويض الشعب العراقي وإخراجه من خانة الشعوب المتماسكة القادرة على رفض التبعية المطلقة للأجنبي بأن في مقدوره الانفصال عن الدولة العراقية، بسهولة واقتدار، وإقامة إمبراطورية الأسرة، وفرضها بالقوة على النصف العربي من العراق، وعلى شعوب المنطقة وحكوماتها والعالم.

ومن أيام الحرب العراقية – الإيرانية في الثمانينات، ثم أيام خطيئة غزو الكويت، وهذا الرئيس المصاب بداء الأنَفة والتعالي والكبرياء يبيع شعبه عصافير الانفصال والاستقلال وهي طائرة في الهواء، ولكنه يمسك بيده، وحده، بعصفور السلطة والمال والسلاح والحكومة والبرلمان والنفط والمنافذ الحدودية ونصف حكومة المركز والعمارات والشركات واليخوت والطائرات في أميركا وبريطانيا ودول الخليج والأردن وتركيا، ولا يترك لأخيه المواطن الكردي سوى الشكوى من الظلم والفقر والابتزاز، وسوى فضائيات منافقة تتحدث عن العدالة والسلام والبناء والرخاء.

ومع الأيام، وبتعاقب المصاعب والمآزق التي دوّخت الشعبين الكردي والعربي ثبت لكل ذي عينين أنه كان فاشلا في تحالفاته التي عقدها منذ أوائل التسعينات وحتى اليوم، متسببا بضياع نصف أعمار المواطنين الكرد وأشقائهم عرب العراق الذين لا يستحقون هذا الخراب، ولا عذاب السنين.هل إن قرار حكومة السوداني بمسك الحدود قرار سيادي ينهي حالة الفلتان ويحفظ هيبة الدولة، أم هو نجدة إسعافية عاجلة لحماية ظهر النظام الإيراني

فهو، دون شك، مسؤول، أكثرَ من غيره، عن الصواريخ المتساقطة على مدن الشعب الكردي وقراه من الجارة إيران والجارة تركيا، ومن حلفائه السياسيين الإسلاميين العراقيين.

وما يجري حاليا في شمال الوطن، والمتوقع حدوثه في الأيام والأسابيع القادمة، مناسبةٌ للحديث عن هذا القائد الذي عوَّد مواطنيه على دويّ الصواريخ والمسيّرات وجنازير الدبابات وهدير المدافع التي لا ترحم.فمنذ الغزو الأميركي 2003 وهو يتلقى الفشل بعد الفشل، والخيبة بعد الخيبة، ولا يتّعظ.حتى حصل الاستفتاء على الانفصال 2017، بعد أن رفَضَ جميع التحذيرات والنصائح العراقية والعربية والدولية التي حاولت إفهامه أنه يحلم بما لا يكون.

ورغم أن 92 في المئة من الموطنين الكرد قالوا نعم للانفصال إلا أن الزعيم اضطر إلى التراجع عنه بعد أن قلصت حكومة حزب الدعوة موازنة الإقليم، وأدخلت الجيش الاتحادي إلى المناطق المتنازع عليها، ورفضت دول الجوار بصرامة فكرة انفصال الإقليم، ثم أصدرت المحكمة الاتحادية قرارها بإلغاء نتائج الاستفتاء والآثار والنتائج المُترتبة عليه.

ثم جاءت انتخابات 2019 لتُلحق به انتكاسة جديدة أكبر وأخطر. فقد تحالف مع مقتدى الصدر على احتكار السلطة، وحرمان الأحزاب الدينية الشيعية المدعومة من إيران، وأصر على انتزاع رئاسة الجمهورية من غريمه الاتحاد الوطني الكردستاني، ليملك رئاسة إقليم كردستان ورئاسة حكومة الإقليم ورئاسة العراق، ونصف حكومة المركز، وفشل.

ثم غدر به حليفه مقتدى حين سحب جميع نواب تياره الصدري من البرلمان ومن الحكومة، وتركه وحيدا في مواجهة إيران وأحزابها وميليشياتها، ليضطر في النهاية إلى العودة إلى حلفاء الأمس، نوري المالكي وقيس الخزعلي وهادي العامري وفالح الفياض، بوعود يعرف هو، قبل سواه، أن إيران الحاكمة الوحيدة في العراق لن تسمح بالوفاء بها بأيّ حال من الأحوال.

ثم لم تَطُل فرحته بالتخلص من غريمه القوي الرئيس الدكتور برهم صالح والمجيء برئيس جديد ضعيف يأتمر بأمره. فقد اندلعت انتفاضة الشعب الإيراني، فجأة، لتُتَهَم عناصرُ الأحزاب الكردية الإيرانية التي تحتل مناطق شاسعة من كردستان بمدّ المحتجين الكرد في كردستان إيران بالرجال والمال والسلاح، لتبدأ خيوط خيبة جديدة ستكسر ظهر الزعيم.

ورغم أن ما يقوم به الحرس الثوري الإيراني من قصف لمدن الإقليم وقراه، بكل مقاييس الشرعية الدولية، هو انتهاك لحرمة دولة ذات سيادة، وتهديدٌ لأمن شعبها ومستقبل أجيالها القادمة، إلا أن الواقع الملتبس القائم في المناطق الحدودية العراقية مع الجارتين، تركيا وإيران، يجعل هذا النشاطَ العسكري، من منظور الحكومتين الجارتين، دفاعا مشروعا عن النفس، بعد فشل السياسيين العراقيين في منع استخدام الأرض العراقية ملاذا آمنا لعناصر المعارضة الكردية الإيرانية والتركية المقيمة في شمال العراق.

وتنقل وكالة أسوشييتد برس الأميركية عن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، تهديدا صريحا باجتياح شمال العراق إذا لم يُحصّن الجيش العراقي الحدود المشتركة ضد الجماعات الكردية الإيرانية المعارضة.

وهنا راحت الخيبة الجديدة الكبرى تلتف حول رقبة الزعيم، ليضطر أخيرا إلى حنيِ رأسه للعاصفة، ويقبل بما كان يرفض حتى مجرد التلميح به طيلة عشرين عاما، ويوافق على دخول الجيش الاتحادي لضبط الحدود العراقية مع إيران وتركيا، ولو على مضض.رغم أن 92 في المئة من الموطنين الكرد قالوا نعم للانفصال إلا أن الزعيم اضطر إلى التراجع عنه بعد أن قلصت حكومة حزب الدعوة موازنة الإقليم

وسواء كان وجود عناصر حزب “كوملة” و”الديمقراطي الكردي” و”باك” في شمال العراق بموافقة حزب السلطة في أربيل أو دونها، فإن الحرس الثوري الإيراني حمَّله كامل المسؤولية عن وجود عناصر هذه الأحزاب، وعن عملياتها عبر الحدود.

وفي ضوء التعقيدات الأمنية والعسكرية القائمة اليوم، والمتوقعة في الأيام القادمة، اضطرت حكومة الزعيم إلى أن تجنح إلى الواقعية، وتغادر أحلام اليقظة التي أقامت عليها سياساتها الانعزالية الاستعلائية الانتهازية الفاشلة، طيلة السنوات الماضية.

فقد أصدر المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء بيانا عن الاجتماع الذي عقده المجلس الوزاري للأمن الوطني برئاسة محمد شياع السوداني لمناقشة “الخروقات” التركية والإيرانية على حدود البلاد، وقرّر “وضع خطة لإعادة نشر قوات الحدود العراقية لمسك الخط الصفري على طول الحدود مع إيران وتركيا”.وهنا ينهض سؤال مُلحّ، هل سيكون هذا إجراء محدودا مؤقتا لمنع الكرد الإيرانيين من دعم انتفاضة مواطنيهم في كردستان إيران، فقط، مقابل وقف المسيّرات والصواريخ الإيرانية على مناطق حكومة أربيل، أم هو القرار الوطني الكبير الذي كان يترقّبه العراقيون، والذي كان ينبغي اتخاذه منذ سنين لحماية سيادة الوطن ومنع تهريب النفط والسلاح والمخدرات والتمرد على الدولة والعبث بهيبتها؟

يعني، هل إن قرار حكومة الإطار التنسيقي القاضي بمسك الحدود هو قرار سيادي وطني تاريخي حقيقي دائم يوقف التهريب، وينهي حالة الفلتان، ويعيد سلطة القانون، ويحفظ هيبة الدولة، أم هو نجدة إسعافية عاجلة لحماية ظهر النظام الإيراني من المتعاطفين مع الانتفاضة، ولإبعاد شبح الاجتياح عن مملكة أربيل، واستكمال إدخال العراق كله إلى بيت الطاعة الإيراني، أم تعود حليمة، بعد توقف القصف الإيراني التركي، إلى عاداتها القديمة؟هذا هو السؤال.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *