أنسنة الأشياء في قصص (تراتيل العُكَّاز الأخير)

أنسنة الأشياء في قصص (تراتيل العُكَّاز الأخير)
آخر تحديث:

حسن السلمان 

في مجموعته الموسومة بـ ( تراتيل العكاز الاخير) يعمل القاص محمد علون جبر على بث الروح في الاشياء/ الجمادات ويمنحها بعدا وظيفيا لإنتاج دلالاته القصصية، وذلك من خلال ربط هذه الاشياء بذاكرة شخوص قصصه المتخمة بأحداث الحرب وإقامة علاقات افتراضية حية بينهما، حيث تدور معظم قصص المجموعة حول استعادة ماحدث ابان الحرب ومابعدها وتقديمه بصورة جديدة تكشف عن الشروخ النفسية العميقة التي تلحقها عادة ويلات ومآسي  الحروب بمن خاضها وعايشها. 

ومن هذا المنطلق يمكننا عد هذه المجموعة القصصية من أدب الحرب . فالغاية الدلالية من الأنسنة تكمن تارة في إيجاد معادلات وجودية افتراضية، موازية لحياة الحرب للتخفيف من توتر اجواء الحرب حيث الرعب من الموت والفقدان كما في قصة ( ضوء أزرق أسفل الوادي). ففي هذه القصة يختلق أحد شخوصها صورة تتشكل من تكوينات الطبيعة على هيئة امرأة، ويقيم معها حوارا وجدانيا كما لو انها بالفعل امرأة حقيقية:(في منحدر الجبل أمامي حيث أقف، أضع المنظار مراقبا الممرات الوعرة حيث صخرة غريبة بلون ازرق داكن على هيئة امرأة …  بقيت صورة المرأة الصخرية تنظر إلى الجانب الآخر حيث العدو، لكني في أحيان كثيرة اراها تدير رأسها ناحيتي كأنها تعرف اني اراقبها وتبدو لي في أحيان أخرى، كأنها تضع يدها على اماكن عريها التي اراها بوضوح وانا ادير عدسة المنظار مقربا اياها مني . (وضمن سياق ايجاد المعادلات الوجودية الافتراضية لأنسنة الأشياء، يقوم احد شخوص قصة)  تراتيل العكاز الأخير) ببث الروح في ساق صناعية تعود لصديقه الذي مات في الحرب، وذلك باستعارتها من زوجته وجعل هذه الساق ممرا لقلب زوجة صديقه عبر حركة فانتازية تتمثل في قيادته، أي الساق، إلى منزل زوجة الصديق بشكل لا إرادي: (وأنا أحاول أن أعود الى البيت او ابتعد عن النهر القريب من هذا المنزل، تحيرت منه أي العكاز ـ تركت الامر له ليقودني فيما انا مشغول بمراقبة الطريق . عبرت الحديقة الكبيرة التي تحيط بالمدينة في محاولة مني لتغيير المسار الذي وجدت نفسي داخله، وبدلا من العودة الى المقهى لاستبدله بساقي القديمة، تركت الامر له ليقودني. قادني دون تدخل مني  سيدتي بسهولة في الحواري والازقة القريبة من بيتك هذا… }
وتارة تكمن الغاية الدلالية لأنسنة الأشياء في منحها ذاكرة حية تسجيلية للأحاسيس والمشاعر كما في قصة ( صهيل العربة الفارغة) التي يتم  فيها منح ذاكرة لعربات قطار مهجورة قديمة لحفظ إرهاصات حيوات الجنود الذين كانوا يستقلونها وهم في طريقهم الى جبهات القتال:( فاركونات بلا نوافذ استحالت الوانها حيث اختفى اللون الاخضر الداكن وحل محله لون رمادي باهت…  ابوابها مشرعة نحو السماء حيث غدت ككهوف مهجورة الا من اسراب الحمام والعصافير التي لمحها من مكانه وهي تطير  بعلو منخفض، كأنها تسبح لكنها سرعان ماتعود إلى تلك الكتل الحديدية التي تحمل في حديدها، وسكونها، وألوانها الباهتة حيوات مئات من الجنود وهم يمضون ليلهم يهتزون مع حركتها الرتيبة وهي تتجه بهم نحو الحرب). وفق هذه الرؤية يقدم محمد جبر علوان مجموعة من قصص الحرب راصدا المشاعر الانسانية في غمرة الموت والفجائع التي تسببها الحروب بوضع مسافة بينه وبين الاحداث الامر الذي مكنه من الابتعاد عن النفس التعبوي الحماسي المنحاز الذي عادة ما يصاحب قصص وحكايات 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *