أن تكتب نصاً مختلفاً الآن

أن تكتب نصاً مختلفاً الآن
آخر تحديث:

باقر صاحب
كثير من الكتاب اعترفوا بتفضيلهم القراءة على الكتابة، ما يثير فضول القارئ تجاه هذه الأفضلية، وما هي مسوغاتها، وهي الصادرة عن قراء منتجين مهنتهم الكتابة، ومسهمين في صناعة ذائقة القارئ، بوساطة كتبهم المصفوفة في المكتبات.ربما تلك الأفضلية نابعة من الدافع القوي للمغايرة، أي أن تتجاوز كل ما قيل، في الشعر أو القصة مثلا، عليك أن تهضم كل ما قيل في أي منهما، و «الأسد عبارة عن خراف مهضومة»  كما يقول بول فاليري.وهذا ليس بالأمر اليسير، لأنه يتطلب الاطلاع على كل كتب التراث الإنساني، في مجال معين، يصاحبه النقد والتحليل والتأمل، للخروج بما هو جديد، ربما يستغرق زمنا ليس بالقليل، ويستنفد حياة بكاملها، ناهيك عن الجهد المبذول في الإتيان بكتابة متجاوزة، تغاير كل ما سبق وتضيف إليه، وهنا يتبين الثمن الكبير للإبداع الإنساني.
وبحسب ما يذكر الناقد والشاعر العراقي فاروق يوسف في مقالة له عن الباحث العراقي علي الشوك، صاحب «الاطروحة الفنتازية»، فإن الشوك يقول: (كنت أريد أن أقرأ كل شيء لئلا يفوتني القطار. فهناك مئات وآلاف الكتب تنتظرني قبل أن أجرب حظي مع الكتابة، فأنا لا أعتقد أنني سأكون جاهزاً للكتابة قبل قراءة «رسالة الغفران»، و»كتاب الأغاني» لأبي الفرج، و»الإخوة كارامازوف»، و «آنا كارنينا»).
أما  الكاتب الانكليزي ايان مكوان، فبحسب مقال للكاتب العراقي فاضل السلطاني في «الشرق الأوسط» عنوانه «القراءة أولا»، فإن هذا الكاتب خطط لتمضية العشرين سنة المتبقية من حياته في  القراءة، قال ذلك وعمره أربعة وستون عاما»، انه يتحدث بحسرة، وبالأسماء، عن كتاب كثيرين لم يقرأ لهم، ويسهب في شرح خطته البعيدة المدى- أو قصيرة المدى- وبعد إنجازها كما يقول سيموت مرتاحا. لم يتحدث مكوان عن كتب سيكتبها، فالكتب تأتي لاحقا، اثناء القراءة وبعدها، وليس قبلها.
نريد التوصل من كل ذلك إلى أنه في ظل تعقيدات الحياة المعاصرة يصعب الإتيان بنص إبداعي خارق، يحقق فتحا جديدا في جنس إبداعي معين، ذلك أنه في ظل لهاث الإنسان وراء تأمين القوت له ولعائلته يستحيل تأمين أجواء قراءة عميقة متأملة في عزلة شبه تامة، تهيئ له ذلك الخرق الإبداعي.
ومن ثم فإن ما قلناه يعد رسالة إلى المبتدئين والمستسهلين في عالم الكتابة، أن القراءة ثم القراءة ثم القراءة هي السبيل الوحيد أمامهم لاكتشاف ذواتهم ومواهبهم، وكل ما عدا ذلك من حضور اجتماعي في الجلسات والمهرجانات ومواقع التواصل، لا يفي بأن يصبح مرآة حقيقية عاكسة لذواتنا.  ينطبق الأمر أيضا على من قطعوا أشواطا في عالم الكتابة ولديهم مؤلفات، فالقراءة وقود الكتابة الدائم وإلاّ فالشحوب والتكرار هما مصير القادم في ما يكتبون .

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *