الأصابع الإيرانية في مذابح العراق بمباركة أمريكية … بقلم د. نزار السامرائي

الأصابع الإيرانية في مذابح العراق بمباركة أمريكية … بقلم د. نزار السامرائي
آخر تحديث:

في تصريح للمتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية خلال الأسبوع الماضي، اعترفت صراحة بوجود “تنسيق ميداني تكتيكي” مع إيران في الحرب التي تشنها الولايات المتحدة على ما تسميه بالإرهاب في العراق، وكانت المتحدثة المذكورة ترد عن أسئلة الصحفيين الذين تواترت لديهم تقارير مؤكدة عن قيام تحالف المصلحة والأمر الواقع بين واشنطن وطهران لشن الحرب على الدولة الإسلامية وإحداث تغييرات ديموغرافية في العراق لصالح إيران.
ومع أننا كنا على معرفة يقينية منذ زمن بعيد يعود إلى ما قبل الاحتلال الأمريكي للعراق، بوجود علاقات متينة بين دولة الولي الفقيه والشيطان الأكبر كما يحلو لإيران الخميني أن تصفها في أدبياتها السياسية على مستوى الجمهور المخدّر والمنساق وراء عاطفة خالية من أي قدر من الوعي، بل يعود تاريخ ترسيم العلاقات بين الطرفين منذ زيارة روبرت ماكفرلين مستشار الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان لطهران بصورة سرية إبّان الحرب العراقية الإيرانية، وما نجم عن تلك الزيارة من إقرار صفقة سلاح أمريكية مهمة جدا لإيران، صارت تعرف فيما بعد بفضيحة “إيران كيت” أو إيران- كونترا، مع ذلك كله فإن الصفحة الجديدة من التنسيق والتعاون الميداني بين الولايات المتحدة وإيران، تتعدى وإلى حدود بعيدة مصالح الأمن القومي الأمريكي الذي استخدمه الرؤساء الأمريكيون في الماضي مطية لتبرير تعاونهم مع دولة الولي الفقيه التي نجحت إلى حدود بعيدة في توظيف الحركات الإرهابية المرتبطة بها مثل حزب الله اللبناني لفرض وجهات نظرها على المجتمع الدولي، وجاء التنسيق الأخير ليصب في مصلحة المشروع الإيراني التوسعي المنطلق بسرعة كبرى بعد أن نجحت الولايات المتحدة ومعها التحالف الدولي والعربي في توجيه ضربة قاصمة لقوة العراق العسكرية والاقتصادية وتجهز على قاعدته العلمية والصناعية في العدوان الثلاثيني عام 1991، ثم بعد ذلك في احتلال عام 2003، لأن أمريكا والعالم المتطور يعتمد لغة المصالح والحوار مع طرف واحد بدلا من الذهاب إلى 22 رأيا منقسما على نفسه في كل شيء ولا يعرف ماذا يريد.
ومع أن فكرة الاتصال بين واشنطن وطهران ولدت أصلا في عهد الرئيس جيمي كارتر الذي سقط نظام الشاه في عهده واعتلى الخميني كرسي البابوية الشيعية في 11 شباط 1979، إلا أن شخصية كارتر الضعيفة والمتشابهة مع شخصية الرئيس الحالي باراك حسين أوباما، لم تمكّنه من تحقيق تقدم في ذلك المسعى بسبب الثمن الذي كان عليه أن يدفعه من رصيد الولايات المتحدة وهيبتها الدولية، لكن ريغان الذي يعد من الصقور في لائحة الرؤساء الأمريكيين، كان على استعداد لتقديم الثمن المطلوب لطهران، مستندا على رصيد عال من ثقة المواطن الأمريكي بأنه يقود خط الصدام الناجح مع أعداء أمريكا في كل مكان وبأقل التضحيات.
ويبدو أن أحد أوجه التنسيق الساخن بين الشيطان الأكبر ودولة الولي الفقيه ما حصل في محافظة ديالى خلال الأيام الأخيرة، وذلك عندما بدأت قوات البيشمركة الكردية مدعومة بالإسناد الجوي الأمريكي، بخطة الدخول إلى مدينة جلولاء وإخراج الدولة الإسلامية منها، فقد ذكرت تقارير مؤكدة من شمالي شرقي العراق، أن قوات إيرانية برية قوامها 1500 جندي دخلت الأراضي العراقية للمشاركة في القتال في المنطقة، غير أن المراقبين الذين يتابعون الأحداث عن كثب يؤكدون بأن الطيران الحربي الإيراني ساهم على نطاق واسع في العمليات الحربية في قاطع ديالى، فضلا عن أن الحرس الثوري الإيراني قدّم دعما مباشرا للمليشيات الشيعية وهذه المليشيات هي العصائب وفيلق بدر وحزب الله العراق والحشد الشعبي الذي تم تشكيله بموجب فتوى الجهاد الكفائي التي أصدرها علي السيستاني، وهذه المليشيات ظلت تمارس عمليات القتل والتهجير على الهوية، في أسوأ عمليات من التطهير التي تشهدها محافظة ديالى للمكون السني بهدف إخلاء المحافظة المحاذية لإيران منه وإحلال سكان جدد من الأكراد الفيلية والتركمان الشيعة والعشائر الشيعية القاطنة في ديالى وهذه خطة اعتمدها هادي العامري قائد فيلق بدر بموجب مصادقات إيرانية من الجنرال قاسم سليماني قائد قوة القدس الإرهابية.
وما وقع في جامع مصعب بن عمير أثناء صلاة الجمعة 22/8 وذهب ضحيته أكثر من 90 قتيلا ومثلهم من الجرحى، ما هو إلا وجه من وجوه التنسيق الميداني بين أمريكا وإيران والمليشيات الشيعية، والذي تحدثت عنه المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، وبالتالي فإن الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية الجنائية والسياسية والأخلاقية للجرائم التي ترتكب في العراق تحت لافتة الحرب على الإرهاب، لأنها تجبر العراقيين على خوض حروب لا مصلحة لهم فيها، وتحاول صرف الانتباه عن الإرهابي الحقيقي وهو الإرهاب الإيراني وتختلق أعداءً وهميين وتقوم بتسويقهم وفرضهم على الدول السائرة بفلكها في المنطقة، وبالتالي فإن واشنطن تمهد لطهران أن تصبح القوة الإقليمية المطلقة اليد ومن ثم تنتقل لتحقيق الخطوة التالية وهي خطوة التطبيع بين إيران وإسرائيل.
إن ما قاله الرئيس الإيراني حسن روحاني من أن بلاده على استعداد كامل للمشاركة في الحرب على الإرهاب شريطة أن تحصل على تنازلات من جانب مجموعة 5+1 بشأن برنامجها النووي، يشكل الركيزة الأساسية التي تعتمدها إيران لاستدراج الغرب وتمرير الصفقة الدولية الجديدة التي ستأتي كما كل الصفقات على حساب الأمة العربية، ومن أعجب الغرائب أن بعض الدول العربية التي تعرف أنها مستهدفة بمشروع الهيمنة الإيرانية عبر مبدأ تصدير الثورة، تتصرف مثل النعامة حين تدفن رأسها بالرمل وتظن أن عدوها لا يراها لأنها وببساطة شديدة تحمل عقل نعامة ولا ترى الخطر المحدق بها.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *