السنيُّ الحاكم .. و .. الشيعيُّ المكسور

السنيُّ الحاكم .. و .. الشيعيُّ المكسور
آخر تحديث:

 

  فاضل عباس 

بدءاً، سأحاول الإختصار ما استطعت، واعتذر عن الإسهاب في بعض المواطن

{ السلطة والحاكم }

استلم المسلمون دولة قائمة بعد وفاة النبي محمد، وقد كانت التوصيات للقادة البارزين في الأمة عن طريق الأحاديث وبعض السور القرآنية بضرورة الحفاظ على هذه التركة، والعمل على توسيع الرقعة الجغرافية للدولة، ورغم اللغط الذي شاب تفاصيل انتقال الحكم من رجلٍ متصل بالسماء إلى رجلٍ من العامة، إلّا أن الأمور مشت على ما يرام واستقر الحال للخليفة الأول

 

أول وأخطر تحديّ واجهه، هو ظهور جماعة المرتدّين ( بغض النظر عن سبب اعتراضهم، إن كان على شخص الخليفة أو فكرة الإسلام )، فتم القضاء على هذه المعارضة وبطريقة شابتها تجاوزات خطيرة، ولم يُقدَّم المتجاوزين فيها إلى محاكم أو يتم اقصاءهم وتنحيتهم من مناصبهم، فكانت هذه أول بوادر قبول الخروقات في سبيل المحافظة على هيبة السلطة، ورسالة تحذير لكل من يفكر في زعزعة الدولة الإسلامية، مسلماً كان أم كافرا

 

في عهد الخليفة الثاني، ومع استقرار الجو العام للدولة، بدأت حركة ( الفتوحات )، فكان التحرش ببلاد فارس والانقضاض على إمبراطوريتها من أهم الخطوات التي فتحت آفاق الدولة، ورغم أن شخص النبي كان معجباً بعدالة ملك الفرس وروي عنه بما معناه أن كسرى يدخل النار ولا يُعذب لعدله، وحتى عمر بن الخطاب نفسه كان يستشهد بعدالة الرجل، حين اشتكت له إمرأةٌ من ظلم عَمرو بن العاص لها فكتب له ( أنسيتَ عدل كسرى يابن العاص ؟ )، رغم كل ذلك هوجمت بلاد فارس وانهزمت أمام جيوش المسلمين الجرارة، تم توالت الفتوحات، الكوفة، مصر، الشام .. ولم يعترض أحدٌ من المسلمين على ذلك، بل كان ذلك مفخرة وأدخل على المسلمين انتعاشاً اقتصادياً وثراءاً غير مسبوق

 

في زمن الخليفة الثالث، توسعت الرقعة وطالت الفتوحات بلداناً أخرى، وصار للدولة ميزانية انفجارية بملايين الدنانير الذهبية، ولم تك انتفاضة الجماهير على عثمان إلّا لأنه آثر الحكم وقرّب أقرباءه وأغدق عليهم من أموال السبي والخراج وترك قطاعات واسعة محرومة من هذا الفيء

 

جاءت فترة حكم علي بن أبي طالب، وبايعه الناس وقبِل الحكم ولم يتراجع عن هذه الفتوحات، فلم يصرّح بذلك، بل كان مشغولاً بتطهير مفاصل الفساد التي وصلت إليها الدولة، وقرر عزل معاوية في أول قرار له بعد تسلمه الحكم، وحين اعترض نفر من قادة المسلمين على أحقيته في الحكم، لم يكن جوابه غير محاربة هذا النفر، وصار ما صار في واقعة الجمل، واستمر في تثبيت أركان الدولة التي استلمها من أسلافه، استمر بصراعه مع معاوية بن أبي سفيان، وانتهت خلافته بحادث اغيال مدّبر من خصمه، وأوصى عليّاً بأن تكون الخلافة من بعد لولده الإمام الحسن

 

الخلاصة .. كانت هناك دولة، وسلطة قائمة، وصراع على السلطة، بغض النظر عن من يدعي الأحقية

 

..

 

{ ما بعد علي }

 

..

 

لم تكن شخصية الإمام الحسن بن علي قادرة على مقاومة دهاء معاوية، الذي استطاع اختراقه والالتفاف عليه وبطرق سهلة بعدما قام تحيده في صلحٍ أُجبر الإمام على قبوله رغم القنابل المزروعة في فقراته، ودبّر له مقتلة عجيبة، حيث استطاع تجنيد زوجة الإمام ! وتكليفها بقتله في حادثة معروفة

 

لم يُشكل الإمام الحسن أيّ عبء على سيرة معاوية، ففي زمن توليه الحكم (( اتسعت رقعة بلاد المسلمين جهة بلاد الروم، وبلاد السند ، وكابل ، والأهواز ، وبلاد ما وراء النهر، وشمال أفريقيا ، حتى وصلت إلى أكبر اتساع لدولة في تاريخ الإسلام، وقد أنشأ معاوية أول أسطول حربي في تاريخ الإسلام وفتح به جزيرة قبرص وصقلية ومناطق وجزر في البحر الأبيض المتوسط )) منقول

 

ثم فاجئ معاوية ولأسبابه التي رآها، فاجئ المسلمين بتشريعه لحكم التوريث، ولم يكن بسيطاً في طرحه هذا ليترك الأمر حتى يموت، بل استحصل ( بالترغيب والترهيب ) على بيعةً لولده من قبل قادة المسلمين وعوامهم ولم يزل على قيد الحياة، وبالفعل فقد نجحت خطته وتم له ما أراد، واستلم يزيد ( الشاب المدلل، النزق المتهور ) حكم بلاد المسلمين

 

..

 

{ الشيعة الأوائل }

 

..

 

كانت لشخصية علي بن أبي طالب تأثير على نفر من المسلمين، وهؤلاء كوّنوا اللبنة الأولى للشيعة، إذ إنهم لم يتراجعوا عن انتماءهم لشخص علي ولمن خلّف علي، وهؤلاء كانوا على الأغلب من المتضررين في زمن السلطات المتعاقبة، ولم يحصلوا على مناصب في أركان الدولة التي انتشرت، أو على الأقل كانوا يقفون على الحياد السلبي في تجاوبهم مع الحاكم، عدى شخص ( سلمان الفارسي ) والذي يقال أنه استلم ولاية المدائن في عهد الخليفة الثاني، وفي الحقيقة أنّ شخصية سلمان في الأدبيات الشيعية تحتاج إلى مراجعات وتحقيق لإثبات وجوده كشخصية حقيقية لا وهمية بالأول !

 

هؤلاء النفر تكوّن لديهم فكر واعتقاد بأحقية علي بن أبي طالب في الحكم، وكان صراعهم مع السلطة بوجود الإمام، فهم ينصرونه ويدافعون عنه، ويستلهمون العلم منه، ومع الوقت انتشرت أفكارهم وصارت كتيار معادٍ للسلطة حتى تسلم يزيد بن معاوية للسلطة ومتابعته للإمام الحسين بن علي وطلب البيعة منه

 

في هذه الأثناء كانت الترتيبات تجري سرّاً في الكوفة لاستقدام الأمام الحسين وقلب نظام الحكم ثم بسط السيطرة على باقي المدن الإسلامية، لكن، لم تنجح الترتيبات وصارت مجزرة، تم تصفية الإمام الحسين ومن معه في حادثةٍ تحتاج إلى إعادة قراءتها وتهذيب تفاصيلها

 

يزيد لم يك يقبل من الحسين الاعتراض على حكمه، فهو حاكم، يرى في نفسه الأحقية، فقطعَ الطريق أمام من يزعزع سلطته، ولكن الطريقة التي تم بها قمع التمرد وماجرى بعدها من أحداث في وقعة الحرّة وسبي وهتك مقدسات المسلمين، أسس لخلق فكرة جديدة

 

..

 

{ الإمام السجّاد .. المنقذ الحقيقي للشيعة }

 

..

 

لقد عاش الأمام السجاد تفاصيل مجزرة كربلاء، ووقعة الحرّة، فأدرك أن الحُكم عقيم، وأن السلطة لا ترحم، وأن المجازر ستستمر لو بقي حلم تسلم السلطة يرواد أتباعه، فأسس لأفكاره الجديدة حقناً للدماء ودرءاً للمصائب، فبدأت تلك الأفكار من زمنه واستمرت على عهد الأئمة من بعده

 

1- الحثّ على مفهوم العزلة عن الدولة وترف الحكم

 

2- توجيه مهام التابعين له إلى اتّباع العرفانية والدعاء وقبول المظلومية

 

3- ابتداع فكرة التقية والتمويه والالتفاف على الحكم الشرعي

 

4- مغازلة الدولة وبطرف بعيد لضمان حيادها، وكما مصرحٌ بوضوح في أدعيته لأهل الثغور ( والذين هم جند الخليفة الغاصب للحق )

 

5- التفرغ للبكاء وذكر مصاب الإمام الحسين وترسيخ فكرة الشعائر الحسينية كاستذكار سنوي يوضح مصير من يعارض السلطة الحاكمة

 

6- تحويل فكرة أحقية الخلافة إلى أحقية الإمامة، وهذا ما ارتاح له الحاكم الذي لم يضره من هو الإمام ومن أحق بتفسير شرع الله

 

7- اجتناب تفسير القرآن والآيات التي فيها مشاكل الحرب والقتل والفيء، والتركيز على مفاهيم الأدعية والزيارات والمعاجز والثوابات

 

8- ظاهرة زواج أغلب الأئمة من نساء السبي، كانت تريح الحاكم الغازي، فهذه تزكية ومباركة ولو بالباطن لعملهم

 

9- رفض الأئمة لجميع الثورات التي قامت ضد الحاكم، بحجج ودعاوى مختلفة

 

10- ترسيخ مفهوم المهدوية لتطيب خواطر الصابرين على الظلم

 

للإمام السجاد فضلٌ في حفظ هذه الطائفة من الإبادة بتأسيسه لفكر مدني روحاني وسطي، واقعي وله مصداقية تامّة، في ظل حاكم لا يقبل أيّ صوت معارض له، واستمد تفاصيل فكره هذا على بعض ( وليس كل ) قوانين الإسلام

 

..

 

{ سؤال .. لو استقر الحكم لعلي بن أبي طالب ومن بعده من الأئمة، فهل كان حكمهم يختلف عن من حكم ؟ }

 

..

 

1- لقد كان عليّ راضياً إلى حدّ ما بسيرة الخلفاء، بل كان سانداً لهم ويعطي مشوراته، وقبوله بتزويج ولده الحسين للأميرة المسبية بنت كسرى التي جلبت من الحرب خير دليل على ذلك

 

2- ثم، استعماله السيف بقمع معارضيه في واقعة الجمل التي راح فيها أكثر من 20 ألف مسلم، دليل على أن عليّ بن أبي طالب قد تصرّف كحاكم مجرّد يريد الحفاظ على السلطة

 

3- قبول الإمام الحسن بالصُلح، وانتظاره استلام الحكم كان سلوكاً تفاوضياً بعيد كل البعد عن من له الأحقية

 

4- في المفاوضات التي أجراها الإمام الحسين ليلة عاشوراء، عرض الإمام فيما عرض على مفاوضيه أن يتركوه لحال سبيله أو يذهب فيقاتل في ثغور المسلمين ! المسلمين الذين كانوا تحت إمرة الحاكم يزيد بن معاوية

 

5- لقد بقي حلم تولي السلطة في نفس الإئمة وتوّج بقبول الإمام الرضا لولاية العهد في عهد الخليفة العباسي الظالم الفاسق

 

والجواب الذي أراه مناسباً، أن الأئمة لو استلموا الحكم لاستمرت الفتوحات الاسلامية ولتلوث تاريخهم بدماء ومظلومية البلاد الآمنة التي غزتها جيوش المسلمين، لكن هذا الإرث الدموي بقى إرثاً للمسلمين، هم يرونه فتحاً والمتضرر يعتبره غزواً وإبادة جماعية، والطائفة الشيعية تتبرى من هذا التاريخ ولا ينسبوه لهم

 

..

 

{ هل الشيعة منكسرون ؟ }

 

..

 

نعم، فتاريخ أئمتهم كله قتل وتشريد واضطهاد، ومن أتى بعد الأئمة، أكمل مشوار الإنكسار، فجاءت كتب التقليد، وابتدعت المراجع، وازدادت المنابر وكثر الناعون وأهل الرثاء والمواكب

 

كتب التقليد، خلقت الترهل الفكري وجذّرت فكرة التخلي عن المسؤولية والتعب في اكتشاف الحقائق، فلطالما قالها عالم، فاخرج منها سالم، أما المراجع فقد دمروا فكرة العمل الجمعي والمؤسساتي، وصار للأمة رجل واحد ربما يخطئ وربما يصيب، مرّة هو صمام أمان ومرّة حكيم وعنده علم الغيب، وجرت المصائب على الشيعة والمرجع يدعو لهم في صلاة الليل، أما المنابر والناعون، فهؤلاء السرطان الذي ضرب جسد التشيع، إذ شبّعوا العقل المتلقي بالخرافات والسفاسف، ويخرج الجالس من تحت منابرهم بوعي مرتبك وضمير محبط واحساس بالذنب والظليمة

 

..

 

{ لم هذا البحث ؟ }

 

..

 

كنا نقرأ في التاريخ أمجاد المسلمين في الفتوحات ونبتهج، ولم يكن لدينا تصور واضح، ما كان الطرف الآخر يحسّ به إثر هذا الفتح، لكن ماجرى على مدننا، على أيدي مُعيدي أمجاد المسلمين من القاعدة والدواعش وضح لنا الصورة وبيّن لنا الفرق بين الفتح والغزو، فصار المسلم السني ( الحقيقي ) يبتهج في سريرته لهكذا فتوحات، لأنه في حلم اسطوري لعودة دولة الخلافة التي انهارت بعد الحرب العظمى على يد الحلفاء، والشيعي حين يعترض على سلوكيات البرابرة الجدد إنما ليحيّد نفسه فقط ويخلي مسؤوليته من الدماء، فتاريخ المسلمين لا يعترف به الشيعي، والأهم عنده هو تاريخ الأئمة وأولادهم

 

الشيعي لا ينتمي بقوة إلى الإسلام الحقيقي، فمفردات دينه تختلف عن الآخر، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن الشيعي يتمتع كثيراً بزيارة الأئمة والتضرع بهم، ولا يهمه كثيراً ما يجري في وادي عُرنة أو ليالي المبيت في منى، فهذه يؤديها لتسقيط الواجب لا غير، وفي المدينة، حيث مرقد النبي، فهو كثير التردد على البقيع لزيارة أئمته والبكاء عليهم وتذكر مصابهم، ويملّ من طواف الكعبة بعد اداء الواجب منها، ولا يملّ من زيارة الحسين وأخيه العباس طيلة عمره

 

ونختم فنقول .. إن قوة الفرد من قوة حاكمه وحكومته، والسنيّ ظل حاكماً 14 قرناً فأورث قوّة لكل من ينتمي له، والشيعي وريث النواعي والانكسارات ويحلم دوماً بدولة يحكمها إمام معصوم، وهذه الدولة، لا توجد إلّا في مخيلته

 

(( المسلم ، يعني المسلم السنّي ، والمسلم السنّي، هو الحاكم .. أما الشيعي ، فهو مكسور وإن أراد أن ينافس على الحكم فعليه أن يراجع جذور انكساره ))

 

*[email protected]

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *