جدلية التغيير في العراق

جدلية التغيير في العراق
آخر تحديث:

 

  عبد الخالق الشاهر

لتلمس المشهد السياسي وخريطة القوى الموجودة في العراق يمكن القول ان الحكومة هي احد اهم اللاعبين في الداخل العراقي وليس كل اللاعبين ، فهناك المبليشيات ، وهناك النفوذ الايراني والامريكي، والاقليمي بشكل عام ، وهناك مؤسسة الفساد فضلا عن المرجعيات الدينية المؤثرة والبيشمركة  والصحوات ومجالس الاسناد،  ورحال العشائر والجيش الحر والنقشبندية ،والقاعدة ، وجيش العزة والكرامة وغير ذلك الكثير….وعادة تكون اللوبيات غير الرسمية في ضروف الفوضى مؤثرة في صنع القرار اكثر من الرسمية..ولذلك عندما كنا نرى السيد المالكي صلبا وغير مهتما بفريق معين فلا يعني ذلك انه قويا او دكتاتورا.. بل انه صنع توازنا معينا استند اليه وقد سبقه ابو جعفر المنصور بذلك حيث سؤل لماذا لم يبني بغداد على ضفة واحدة أجاب (( اسكنت اليمانية في الكرخ والقيسية في الرصافة فأذا ثار علي عسكر الكرخ ضربتهم بعسكر الرصافة وأذا ثار علي عسكر الرصافة ضربتهم بعسكر الكرخ ))، وهذا ماهو حاصل اليوم

عليه وبما ان الموضوع ينسحب على المعارضة العراقية داخل وخارج البرلمان والحكومة فان ذلك يتطلب ان يكون مشروعها وطنيا لكي تتمكن من اكتساح المشروع الحكومي الطائفي في الانتخابات أي ينيغي لكل القوى الراغبة بالتغيير او الاصلاح ان تبني مشروعا (قيسيا يمانيا) أي عراقيا بديلا يضم الشيعة والسنة عدا ذلك لن يكون وطنيا وستضيع جهوده كما ضاعت جهود الذبن سيقوا وبالتالي سيكون نصيبه ان فاز فوزا جزئيا ان يكون اما هامشيا او مكملا للمشروع الحكومي النافذ

وهنا قد يسأل سائل :وماذا عن الانقلاب فنجيبه بأن عصر الانقلابات قد ولى وصندوق الاقتراع عندما يحل فأنه يكون قدرا لذلك البلد مهما كان مليئا بالتزوير والجهوية  خصوصا اذا كان هذا المشروع تتبناه قوة عظمى لا تزال تملك قدرا مناسبا من خيوط اللعبة في العراق ..وقد يسأل نفس السائل : ولكن هناك قوى لا تزال تنهج الانقلاب وتعتقد بجدواه ، والاجابة تقول ..تتبعوا نشاط هذه القوى متذ الاحتلال لحد الان لتجدوا انه كلام فقط ، غاياته معروفة  ونتائجه معروفة ايضا خصوصا وأن هذه القوى وعدت الناس انه بمجرد خروج الاحتلال ستسقط بغداد بايديهم لان الحكومة هي اصلا ستهرب مع الاحتلال ولعلكم لمستم نتائج هذا الهراء الذي لن نقل عنه اكثر من انه يضيع آمال الشعوب ويسيرها في الاتجاه غير الصحيح فيبعدها عن نيل المطلوب

البعض يطرحون فكرة الاصلاح بدل التغيير ، ونرى ان الاصلاح  مناسب في حالة كون الخلل بسيط اما ان يكون الحال يتعلق بمنظومة خلل كبيرة ومتشعبة فان الامر يكون غير مجديا والدليل ان كل نواحي الخلل واضحة للحكومة والشعب ولكن ورغم هذا الوضوح ورغم وجود ارادة نسبية للاصلاح الا ان ذلك لم يتحقق بل ان الامور تسير نحو الاسوأ والسبب يكمن ببساطة في ان منظومة الخلل هي بنيوية أي في بنية النظام السياسي نفسه مما ادى الى ازمات مستمرة غير مسبوقة وكلما خرج العراق من شبكة ازمات دخل في شبكة اخرى اكثر تعقيدا من سابقاتها

اين يكمن الخلل البنيوي او منظومة الخلل البنيوي بتعبير ادق ؟؟ انه يكمن في الطائفية التي على اساسها بنيت العملية السياسية  التي استندت الى قانون بريمر لادارة الدولة العراقية والذي افرز دستورا لا يوجد عراقي في السلطة وخارجها الا ولديه اعتراضات هائلة عليه وهذا الدستور جاهز لرفعه على اسنة الرماح لمحاربة الخصوم  ، وفي نفس الوقت هو جاهز للاختراق متى ما شاءت السلطة  ..هذا فضلا عن ان هذا الدستور افرز قوانينا على شاكلته ..كل هذا حصل في ظل فوضى خلاقة بناها الاحتلال والطائفية كما يشبهها المثل العراقي (عباس ما يدري بدرباس)

 حاول الناس ان يغيروا من خلال صناديق الاقتراع وجائت النتائج مخيبة للامال لان ثقافة الطائفية والعشائرية والمناطقية  كانت مدعومة ومروج لها بشدة فتقلصت ثقافة المواطنة وتحول طرفا المعادلة (المرشح والناخب) الى الطائفية .ووضفت الصناديق لخدمة الاحزاب الدينية المتنفذة والشيوخ وقبلهم اصحاب المال السياسي والحرامية….ولعله من نافلة القول ان عملية  تعديل الدستور تعد عملية في غاية الصعوبة لانها مرهونة بموافقة ثلثي ثلاثة محافظات (الكردية) وحتى وان زال هذا العائق فكبف سيتفق اطراف العملية السياسية على تعديل دستوري وهم لحد الان لم بتمكنوا من الاتفاق على النشيد الوطني والذي اسميه( النشيج الوطني)ولم يسنوا قانونا للعلم العراقي لحد الآن

الحراك الجماهيري لم يكن مؤثرا لاسباب معروفة  وابرزها ان الشعب غير موحد في واقع الامر حيث تمكن الاعلام من خلق فوبيا السنة لدى الشيعة وفوبيا الشيعة لدى السنة لضمان استمرار الاصطفافات الطائفية التي جاءت بكل السياسيين الى مواقعهم الحالية والتي يزوالها ينتهي دورهم تماما

البعض يتخيلون ان تكرار تجربة مصر ممكنة في العراق ويسمونها انقلابا عسكريا وهي في الحقيقة تحصيل حاصل لوحدة القوى الوطنية والقومية في مصر ضد الاخوان المسلمين …تلك القوى لم تكن انترنيتية  وتقدس امنائها العامين الديناصوريين لذلك تمكنت من تحشيد الشعب بملايين عدة تقابلها ملايين الاخوان مما جعل الوضع ينذر بحرب اهلية لا تبقي ولا تذر لذلك كان للجيش موقفه المقبول في انقاذ البلد

ما العمل؟؟

لا توجد وصفة سحرية  بالتاكيد ولكن  لا بد لتعدد الاديان والقوميات  والطوائف من حل يحترم ويصهر كل ذلك في بودقة الوطن الواحد ، وبما انه بات من الواضح من خلال السنين العشر التي مرت والتي اضافت للوضوح النظري حقيقة ان الدولة الدينية لا يمكن ان تكون الا طائفية  مهما حاولت تجميل الصورة بمساحيق الشراكة الوطنية واخوان سنة وشيعة والصلاة الموحدة  التي عمرها لم تكن الا دعائية او نوبة من نوبات الوفاق التي لا تنفع وقد تضر فبمجرد حصول اعتداء على السنة في المقدادية ينبري سنة السلطة للدفاع عنهم وبمجرد مقتل رجل دين شيعي في مصر او في البحرين ينبري شيعة السلطة للدفاع عنهم ..هكذا هي الشراكة الوطنية .

اذا” لاحل لكل ذلك الا دولة الجميع  المسلمين والمسيحيين والصابئة والعرب والكرد والتركمان والايزيديين دولة الشيعة والسنة دولة العراقيين …..الدولة المدنية ….فيا انصارها اتحدوا ، وبغير ذلك سنبقى مائدة شهية للاسلام السياسي

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *