الإبداع الشعري في الملتقى الأول للشعراء الشباب (جواهريون)

الإبداع الشعري في الملتقى الأول للشعراء الشباب (جواهريون)
آخر تحديث:

د. نادية هناوي سعدون

كانت الخطوة في إقامة الملتقى الأول للشعراء الشباب التي بادر بها اتحاد الادباء والكتاب في العراق مهمة، كونها جاءت تلبية لحاجتين ملحتين في المشهد الشعري الراهن في العراق، الحاجة الاولى تتمثل في ما تعانيه هذه الشريحة من المبدعين من عدم المبالاة داخل الوسط الشعري الابداعي، والحاجة الأخرى تتمثل في ما أخذنا نشهده في مهرجانات الشعر عندنا من ارتهان الشعر بأسماء عتيدة وغير عتيدة تأخذ زمام الأمر وتتصدر المنصات تارة بإبداع متقد وتارات باتقاد من دون إبداع.

ولما كانت الأمور الجلل هي التي تصنع الأذهان المتقدة، كذلك كان هؤلاء الشباب والشابات الذين بدوا من فرط حماستهم وكأنهم قد سيّروا الظروف المحيطة لصالحهم وحولوا المنغصات المحبطة والسالبة حولهم لتكون رهن طوعهم فأسهمت إيجابا في صقل مخيلاتهم وشحذ هممهم ليكونوا واعين لمسؤوليتهم الشعرية تجاه أنفسهم ومجتمعهم ..
وكانوا سواءً في تبرمهم أو امتعاضهم أو استسلامهم أو ثورتهم وهم يراهنون على أن لديهم من الوعي ما يجعلهم قادرين على تطويع ماضيهم في حاضرهم تطلعا إلى مستقبلهم الذي يصنعونه بأيديهم ولا ينتظرون من أحد أن يصنعه لهم، وربما كانت هذه هي اللمحة التي عززها وصفهم بأنهم (جواهريون) كامتداد إبداعي طبيعي يجعلنا نقف لهم محيين ومشيدين بكثير من الدهشة والاعجاب، آملين ان يتم عقد دورات الملتقى بشكل دوري مستمر ليكون بصمة في المشهدية الشعرية المعاصرة في العراق.
 وفي الاسم الذي حملته الدورة الاولى ( دورة الشاعر الراحل حبيب النورس) التفاتة ذكية لأن فيها من الدلالات ما يجمع بين عدة متضادات، تضاد النزعة الشبابية بالحتمية القدرية وتضاد الامتداد الابداعي بالعائق الواقعي، وتضاد الاحتشام السوداوي المؤرق بعنفوان التفاؤل المتداري. 
وهذه التضادات كنتُ قد لمستها جميعا وأنا أستمع للقراءات الشعرية في اليوم الأول للملتقى ولم تكن قصيدة النثر التي توازت مع القصيدة العمودية وربما غلبت قصيدة التفعيلة في الملتقى، سهلة طيعة عند الشعراء الشباب بل كانت متأتية من وراء اشتغال واع على المخيلة حينا وبكثير من الجهد أحيانا، ومن هؤلاء الذين تمثلت عندهم هذه الصيغة أحمد الهيتي الذي تتابعت صوره الشعرية تتابعا ملفتا عززه التكرار اللفظي الذي أسهم مع الإلقاء الجيد في توصيل فكرة سافرة عن الموت. وكانت صور مهند الخيكاني في قصيدته النثرية أقرب الى القصة القصيرة لما فيها من تداعيات نفسية انثالت عبرها أفكار مأزومة.
وكذلك قصيدة النثر عند علي رياض التي انزاحت نحو التداخل مع القصة القصيرة لكن رمزيتها ظلت رهانا لازما لعدم مغادرتها منطقة الشعر، وامتازت قصيدة النثر عند احمد عدنان بصور متحركة ذات ملمح سردي استرجاعي، في حين غلبت الصورة الدرامية على قصيدة النثر عند أسماء الرومي وان كانت بعض أخطاء الإلقاء قد أخفت الجمالية الحركية للقصيدة، وبدا وائل سلطان من كربلاء قريبا من الاحترافية وهو ينشد قصيدته النثرية بصور شعرية مبتكرة وصوت القائي شاد وضبط للحركة والسكون، واستطاع مصطفى الخياط ابتكار صور لقصيدة النثر تحيل القبح جمالا.. وبسبب إلقائه المعبر فإنه جعل السامعين يحلقون معه في آفاق من الجمال والسمو.
أما القصيدة العمودية التي تصارعت مع قصيدة النثر فلم تكن أكثر شأنا او أقل، بل ربما تساوت معها ومن ذلك قصيدة اسماعيل الحسيني التي امتازت بخطابية حافلة بهواجس التشاؤم الشعورية وهي الخوف والحرب والهجرة وإن كان الإلقاء المرتجف قد خذل القصيدة في أن تتعاطى مع هذا الكم من الخطابية المتوثبة.. وبدت قصيدة حسين الأسدي العمودية جميلة بصورها المتناغمة مع الإلقاء المعبر الذي تدافعت عبره المشاعر بتلقائية محببة.
ولم تكن قصيدة التفعيلة بأقل من أختيها النثرية والعمودية. ومن ذلك قصيدة محمود جمعة التي نزع فيها نزعة المتأمل الفلسفي الذي أرقه الوجود وكان لجهورية الصوت مع الضبط اللغوي المتقن أثر في تعزيز ذلك. وكانت موضوعة الموت هاجسا أرق زينب العابدي جاعلا قصيدتها العمودية تستفز المتلقي بأسئلة تطرحها في صور فنية جميلة لم تخل من بعض التمرد. وطغى البعد الروحي على قصيدة حسين جنكير العمودية كما تميز عمار محسن بإلقاء واضح وضبط جيد.
وكان حفظ بعض الشعراء لقصائدهم غيبا من دون الاستعانة بالورقة سببا مهما في توكيد طواعية الابداع عندهم، وأن التلقائية هي التي تجعل الأبيات والأسطر تنثال على ألسنتهم طوعا لا كرها مع الضبط الصوتي الناتج عن دراية وذكاء ومن هؤلاء عبد الله النائلي الذي نال بقصيدته استحسان السامعين نظرا لما حملته من موضوع حساس تم عرضه بترابط جيد وبرهافة شاعرية وقدرة حدسية مكنته من بناء صوره الشعرية بكثير من التفنن والجودة.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *