الانتقاص من الرواية العراقية.. وغرق الناقد السياسي

الانتقاص من الرواية العراقية.. وغرق الناقد السياسي
آخر تحديث:

علي لفتة سعيد 
  ينزع بعض الأدباء ومنهم النقاد الى طرح رأي يكون تعميماً قاتلا لكل المراحل الثقافية مثلما يكون قاسياً للنتاج الثقافي الأدبي الذي يتبلور الآن. حتى أن هؤلاء راحوا يطرحون آراءً متباينة ويقسمون الأدب لمراحلٍ تاريخيةٍ بعد أن قسموه أجيالا، وهو ما نراه واضحاً في تقسيمات المراحل التي أعقبت التحوّل من الملكية الى الجمهورية، ومن ثم التحول من المرحلة القاسمية والى المرحلة البعثية، ليتحوّل التقسيم الى أجيالٍ ترجع الى الوراء بدءاً من الجيل الخمسيني حتى الآن ثم يكون التجييل بطريقة التاريخ أيضا الذي دوّن ما بعد عام 2003 .

500 رواية

ولكن تبدو هذه النزعة هي نزعة إعلامية أكثر منها قولا أدبيا ورؤية نقدية وتأشيرا إبداعيا، بمعنى أن كل من يريد أن ينتقد أية مرحلةٍ يوصم كل المرحلة بما يريد لها من قولٍ حتى لكأنه ينتقص منها كاملة ولا ينتقد ما هو رديء منها، مثلما حدث مع قصيدة النثر على أن كل من هب ودب يكتبها متخذين من قول أحدهم ليكون عنواناً مثلما أخذنا قولا مفاده أن اكثر من 500 رواية صدرت خلال المرحلة المؤشرة لما بعد عام 2003، وكأن من قالها تمكن من إحصائها وأن لديه رقماً وثقة ومصداقاً رغم أني لا أقول إن العدد غير صحيحٍ، ولكن لا إحصائية مضبوطة..
إن هذا الزعم المتكرر بما يوصم الأدب العراقي في أغلب المراحل وبحسب الوجهات السياسية صارت معيبة جدا، ليس فقط على قائلها ومصدرها، بل على من يأخذها على أنها قول الفصل، خاصة وإن هناك من يقول إن لا رواية صدرت بعد عام 2003 تعطي الهوية العراقية وكأن ما صدر قبلها كانت من أعطت وإن قائلها تمكن على الأقل من قراءة هذا العدد لكي يكون قولا صداقاً وموثقاً بالأدلة (أنا أصدرت روايتين قبل عام 2003 حتى لا أستثنيني)..
لذلك فإن الكثير من هذه الأقوال أساءت بالدرجة الأولى الى سمعة الأدب العراقي، وكذلك الرواية العراقية التي تحقق الكثير من المكاسب على الصعيد العربي الذي ينظر الى الأدب العراقي على أنه أدب راق كما نقرأ ونسمع ويقال لنا عبر أصدقاء لنا في كل البلدان العربية..
وهذه الإساءة قد تسهم من جانب آخر بصنع الضغينة في روحية ونفسية المتلقي العربي اتجاه الأدباء العراقيين والروائيين بشكل خاص، لأن من يوصمها أنها تبتعد عن الهمّ العراقي، وأنه ليس لها هوية عراقية فإن الناقد العربي أو الباحث والمؤرخ سيأخذ هذا القول على أنه مصدر من مصادره الموثوقة وسيكون هذا الرأي لعنة أكثر منه رؤية حقيقية.

محاباة السلطة

ولكن الأكثر غرابة حين يتحدث ناقد عراقي بمستوى شجاع العاني ومن خلال ندوة تقام في دولةٍ عربيةٍ بطريقةٍ لا تنم عن رؤيةٍ كاملةٍ للمشهد الروائي العراقي وهو يصف النتاج الروائي بقوله (جاهلت الرواية العراقية الاحتلال الأميركي ولم تتطرق بشكل مباشر إلى ما رافقه من تدمير ونهب لثقافة وآثار بلاد الرافدين، وفق بعض الأدباء والكتاب) وهذا رأي حين يقال في الأردن فإن مبعث هذا لا يصب في صالح الرواية بل في صالح المكان وما يراد منه القول..
ثم يقول أيضا من خلال ما قرأناه من متابعةٍ صحفيةٍ له (لكن التجاهل لم يكن يخص الغزو الأميركي فقط، وإنما شمل مقاومة العراقيين له أيضا، حيث غابت عن الرواية إلّا في إشارات نادرة، وهو ما يعكس محاباة الأدب للسلطة وتحكم الساسة في المثقفين) وهنا بيت القصيد الذي فضحه فيها المتابع الصحفي الذي كان حاضراً في الجملة الأخيرة وهو ما يقوض الحرية التي نتمتع بها وننتقد السلطة بكرة وعشية ونكتب بحريةٍ كاملةٍ، وسواء انتقدنا الاحتلال أم لم ننتقده فذاك رأي ليس للعاني أن يواجهه بحكمه المطلق بل باحترام رغم أن هناك الكثير من الروايات واجهت الاحتلال وفضحته لكنها لم تقف مع ما يسمونه المقاومة لأنها كانت في جلها مقاومة قاتلة للعراقيين وليس أغلبها مقاومة محتل بل مقاومة كرسي حكمٍ كما يقول الكثير من العراقيين.

رأي نقدي

ولذا فأنا أدرك تماماً أن الناقد لم يقرأ الروايات العراقية سوى ما يريد قراءته وما ذكر من أسماء لا تتعدى عن صداقات قديمة، وهذه نسبية القراءة واستغلال اسمه لكي يقول ما لا يمكن أن يقبل على أنه رأيٍ ناقد يفترض به أن يقرأ غالب النتاج على الأقل بما يزيد نسبته على 75 بالمئة..
إن ما أريد التوصل إليه أن الناقد أو الروائي أو الأديب بصفةٍ عامة عليه أن يكون حصيفا في طرح رأيه وأن يكون مبنيا على رؤيةٍ دقيقةٍ واطلاعٍ كاملٍ، لا أن يكون تابعاً لقولٍ سياسيٍ أو متأثراً بمقولةٍ إعلاميةٍ، لأنه هو أول الذين سيقعون في حفرةٍ عميقةٍ ولن يكون له عاصم يلجأ إليه لينجيه من سبة تراجع الأدب العراقي لأنه جزء منه، شاء ذلك أم أبى.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *