الشاعر العراقي فوزي كريم وبعض النقد

الشاعر العراقي فوزي كريم وبعض النقد
آخر تحديث:

حازم مبيضين

يواصل الشاعر فوزي كريم تجربته النقدية، فيصدر دفعة واحدة ثلاثة مؤلفات هي  «شاعرُ المتاهة وشاعرُ الراية، الشعرُ وجذورُ الكراهية»، و «القلبُ المفكر، الشعرُ يُغنّي، ولكنه يُفكّر أيضاً»، ويعيد بطبعة ثانية مزيدة ومنقحة إشهار كتابه  «ثيابُ الإمبراطور، الشعرُ ومرايا الحداثة الخادعة»، الذي كان أصدره العام 2000، وهو في ثلاثيته هذه يثير عدداً من المحاور الشعرية الإشكالية المتعلقة بمساعي الشاعر لكتابة قصيدته، وبجدوى الشعر والكتابة، ويدعو إلى معاودة النظر وإلى المحاججة والاختلاف، بعيداً عن المسلّمات. في كتابه الأول «شاعرُ المتاهةِ وشاعرُ الراية»، يدرس كريم مراحل القصيدة العراقية وروادها ومجدديها.

يرصد التأثيرات السياسية التي أرخت بظلالها عليها لتُغيّر وظائفها واستخداماتها، من قصيدة حيرة وتساؤل، عند السياب ونازك الملائكة وبلند الحيدري، وكيف تقمصت بُعداً أممياً مع البياتي، بالتزامن مع سطوة اليسار السياسي على الثقافة في العراق وفي العالم العربي، وصولاً إلى البعد القومي الذي ظهر في شعر سعدي يوسف. وفي كتابه الثاني  «القلبُ المفكر، الشعرُ يُغنّي، ولكنه يُفكّر أيضاً»، يتناول كريم الشعر العالمي في مراحله المُبكّرة، أي الشعر اليوناني والهندي والصيني والشعر العربي الجاهلي، ثم ينتقل إلى الشعر في مرحلة ازدهار الحضارة الإسلامية، مثل قصائد الشيرازي وعمر الخيام، وهنا يكتشف الفوارق بين الشعر العالمي بسعيه إلى قصيدة مُفكرة، والعربي الباحث عن المهارة، والنزعة البلاغيّة والعناية بالشكل. في هذا الكتاب الموسوعي، يستعيد سمات ملحمة جلجامش والكوميديا الإلهيّة لدانتي وفاوست غوته وغيرها من التجارب الشعرية الكلاسيكية، واختلافاتها الجذرية عن الشعر العربي. وفي كتابه الثالث المعاد طبعه  «ثيابُ الامبراطور، الشعرُ ومرايا الحداثة الخادعة» ، يعاود كريم سؤاله عن قيمة الشعر العربي الحداثوي في تشكيك أفضى به إلى السؤال عن معنى الكتابة والجدوى منها، وعن العلاقة بين الكاتب والقارئ ، وهو بذلك يتفحّص ظاهرة التجديد الشعري العربي ويُعرّيها، ويكشف السمات الاستعراضيّة التي لا تكاد تفصل هذه التجارب عن الشعر العربي التقليدي. قبل ذلك أصدر كريم كتابه  «تهافت الستّينيين أهواء المثقف ومخاطر الفعل السياسي» ، ناقش فيه قضايا ثقافيّة وفكريّة ليتوقف عند مفهوم قصيدة النثر، والعوامل المؤدية إلى انتشارها، مستعيداً بحساسيته الشعرية، صورة الستّينيات العربية والعراقية، رائيا أن العراق ابتُلي بالكاتب الثوري، المُتفاعل مع ظاهرة ما ليمنحها بمزيد من العواطف والخيال، شرعية ثقيلة الوطأة ، مُؤكداً أن الأكثرية من كتاب الستينيات كانوا ينتمون لتنظيمات حزبيّة، وأنها مُنيت بانتكاسات سياسية ونفسية لم تؤد بهم إلى مراجعة النفس والحكمة، بل إلى ميول وأهواء فكريّة أكثر تطرفاً. ويشير إلى أن الشعر العراقي كان قطع، في مرحلة ما قبل الستينيات، شوطاً مُثيراً في إنضاج صفتين متناقضتين؛ الأولى صفة الشاعر المتسائل الحائر عند السياب، الملائكة، البريكان، الحيدري، مردان، والثانية صفة الشاعر اليقيني كالبياتي، وهو يرى أنّه بعد انقلاب 1958 اضطربت القاعدة بعنف، بحيث اندفع شعراء من موقع الحيرة إلى موقع اليقين، وبالعكس صارت نازك الملائكة ذات حمية قوميّة، ثم دينيّة نتيجة مخاوفها من المد الشيوعي. وبدر شاكر السياب بتعرضه لضغوط حدّت من قدرته على البقاء شاعراً حداثياً برؤى مختلفة، في حين فضّل بلند الحيدري الوقوف في صف الحياة اليوميّة، وجعل الشعر مُلحقاً بها. وفيما ظلّ محمود البريكان وفيّاً للشعر حتى مقتله، فإن البياتي غامر أكثر من مرّة في التخلي عن يقينه، ليدخل خبرة شاعر الحيرات بنجاح تجاوز فيه صوته الآخر. وفي كتابه هذا يصل كريم «الموسيقي»  إلى نتيجة مفادها أن ضعف الأذن موسيقيّاً يشكل أحد العوامل التي دفعت عدداً من الشعراء إلى خوض تجربة قصيدة النثر التي رأى فيها البعض البديل الحقيقي والضروري الذي يفرضه الانتساب للحداثة، وسبب ذلك أن الشعر الغربي الحداثي سواء كان إنجليزيّاً أو فرنسيّاً أو ألمانياً إنما يُكتب نثراً.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *