العراق.. حسابات الحقل ليست كحصاد البيدر

العراق.. حسابات الحقل ليست كحصاد البيدر
آخر تحديث:

 بقلم: صباح ناهي

‏حين ترى هذا الحشد من التناقضات فإنك تمسّ جوهر الأزمة العراقية، التي قال عنها جنرال أميركي‏ “ن العراق كان كسبيكة صقلت لآلاف السنين وانصهرت لتكون وطنا اسمه العراق، لكننا طرقناها لتتفتت ولتتحول إلى قطع من الصعب إعادتها كإناء مكسور”، ‏وهو يتحدث أمام حشد من العلماء وأساتذة الجامعات العراقية. ثم أردف “الوضع الطبيعي أن تكونوا أنتم، علماء هذا البلد، هناك في بلدكم وأولئك الفاسدون خارجه”.

‏الأزمة الحقيقية تكمن في أن الشعب العراقي والكثير من الشباب الوطنيين المخلصين لم يشهدوا نوع التنازلات وكمّها التي قدمت على حساب وحدة العراق في ثلاثة مؤتمرات عقدتها المعارضة العراقية ضد النظام السابق، بدءا من العام 1991 في النمسا ولندن وصلاح الدين، و‏كان المعارضون من أصول شيعية لا يملكون قاعدة يقفون عليها، ‏والسنة المعارضون ‏يحكم أقرباؤهم في السلطة في بغداد وصلاح الدين والأنبار والموصل، ‏وظل الأكراد ‏وحدهم الأقوى الذين يحكمون إقليما محميا دوليا، وله ميزانية تبلغ 13 بالمئة من ميزانية الدولة العراقية وفق برنامج الغذاء والدواء، ‏ولديهم قدرة عسكرية يدافعون بها عن أنفسهم في ثلاث محافظات ودول ساندة، لذلك كانوا الأقوى في هذه المعادلة.

‏وبعد احتلال العراق ‏وحل مؤسساته تغولت هذه المعادلة بالنسبة إلى الأكراد، ومارس الساسة الشيعة الحكم بنزعة الاستحواذ والانتقام، ولم يستفيدوا من تجربة الشركاء الأكراد في معاملة أبناء الطائفة، بل استعدُوهم واجتثّوهم من الوظائف العامة بكل قسوة وصفاقة، ووجد السنة أنفسهم أقلية ممثلة بحزب يكرهونه هو الحزب الإسلامي واجهة الإخوان المسلمين فتصارعوا فيما بينهم.

معادلة الإرهاب ‏هي معادلة المال والعقود، وشراهة الاستحواذ على الدور، ‏لا تهتم أبدا بالوطن وأحلامه وآماله

‏لقد تحوّلت صداقات وقيم المعارضة إلى مجرد تاريخ وديون صغيرة تسدد بتنازلات الشيعية إلى الأكراد ورفع سقف تخصيصات الأمم المتحدة لهم إلى 17 بالمئة، ويقال إنه أصبح 22 بالمئة بعد التنازل الذي قدمه الائتلاف الشيعي ليصوتوا على ترشيح نوري المالكي، وباعوا حليفهم إياد علاوي وقائمته العراقية. ‏أليست هذه وقائع، أم هي أضغاث أحلام؟

‏الوضع الحالي تغير كليّا، فالساسة الشيعة ومرجعيتهم السياسية المعروفة ولا أقول الدينية، اصطدموا بغلوّ الأكراد الذين اعتقـدوا أن مسلسل التنـازلات سيستمرّ حتى وإن أعلنوا استفتاء سيفضي للاستقلال، هنا حدث الصدام الإقليمي وليس الوطني فحسب.‏ السنة أثبتوا قصورهم الفكري ونقصهم الوطني بمساندة بعضهم لمشروع الانفصال، الذي كانوا جل عمرهم يرفضونه، واعتبروا مغامرة العملية السياسية قد تمنحهم جـزءا يسيرا من مـواقع السلطة التي لم يصدقوا بعد أنهم فقدوها للأبد، مراهنين على التوازن الذي فرضه المحتل قبل أن يخرج وحلموا بأن العالم السني من حولهم سيساعدهم على استعادتها.

‏فلا هم يساندون الحكم السابق ومعارضته للنظام القائم الآن بالكامل، ولا هم ينسلخون عنه ويؤسسون لقيادات تقنع محيطهم بجدوى المشاركة في العملية السياسية التي تورطوا فيها وانتفع البعض من النواب والوزراء منها شخصيا، بالرغم من أنهم يرون مدنهم تتحطم وعشائرهم تشرّد وشيوخهم يقتلون.

معادلة الإرهاب ‏هي معادلة المال والعقود، وشراهة الاستحواذ على الدور، ‏لا تهتم أبدا بالوطن وأحلامه وآماله، و‏بالرغم من ذلك فإن ‏الإشراقة الوحيدة التي قدمها المقاتلون في الجيش عند تحرير الموصل وقصباتها وقواه المساندة، قد تكون هي الضوء في نهاية النفق في المعادلة العراقية التي تعيش لحظات تفجّر قد لا تنتهي قريباً، برغم السياسة الهادئة التي يقودها حيدر العبادي، المكبّل من أب وحلفاء صاروا أندادا له في الانتخابات المقبلة.

 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *