القوات الحزبية تحد خطير أمام إقليم كردستان

القوات الحزبية تحد خطير أمام إقليم كردستان
آخر تحديث:

بقلم:فرمان حسن

التوترات السياسية الجديدة التي يشهدها إقليم كردستان العراق بين الحزبين الحاكمين والجماعات المسلحة التابعة لكل حزب، أصبحت تشكل خطرا أمام مستقبل الإقليم، وتثير قلق ومخاوف المواطنين الأبرياء، الذين عاشوا سابقا تجربة مؤلمة مشابهة لصراعات واشتباكات بين هذه الجماعات، وبالأخص حرب الأحزاب الكردية بداية تسعينات القرن الماضي.وبعد انتفاضة إقليم كردستان العراق قبل ثلاثة عقود، أصبح لدى الأحزاب الكردية رغبة بتأسيس برنامج جبهة وطنية موحدة لجماعاتهم المسلحة، تحت ظل القيادة الكردية التي شكلتها الجبهة، لفترة قصيرة، قبل أن تحل على أيدي الأحزاب المؤسسة وتؤدي إلى حرب داخلية.الوضع الآن مختلف تماما عن برنامج الجبهة الوطنية، هناك اليوم العشرات من الجماعات المسلحة تنشط تحت إشراف الأحزاب بعيدا عن السلطة الحكومية وخارجا عن القانون، رغم وجود وزارة البيشمركة في حكومة كردستان العراق.

لدى الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستاني وحدتان عسكريتان تعملان تحت سيطرتهما (وحدة 80 ووحدة 70) يتراوح عدد عناصرهما بين مئة ألف ومئة وعشرين ألفا، وفق تصريحات المسؤولين العسكريين. وكلاهما ينفذ الأوامر الصادرة عن الأحزاب فقط. مع ذلك هناك عدد من الألوية التابعة للبيشمركة الكردية المشتركة في الوزارة، لكن عدد أفرادها قليل مقارنة مع الوحدات المسلحة التابعة للأحزاب.

ورغم المحاولات المستمرة من قبل قوات التحالف الدولية برئاسة الولايات المتحدة لتقليص الوحدات العسكرية الحزبية، وتوسيع الألوية الموحدة لوزارة البيشمركة، إلا أن تدخلات الحزبين الرئيسيين تقف عائقا أمام توحيد وحدات البيشمركة، تحقيقا لمصالحهما الاقتصادية والسياسية عن طريق استغلال القوة العسكرية الحزبية.ليس خافيا أن السلاح في إقليم كردستان العراق ليس بأيادي الحكومة، بل بأيادي جهات تابعة للأحزاب الكردية. الحزبان الحاكمان في الإقليم يسيطران حتى على قوات الأمن الداخلية التابعة لحكومة الإقليم، وليس على البيشمركة فقط.

قبل ثمانية أعوام، وبهدف مشاركة قوات البيشمركة في تحرير مدينة موصل، التي كانت حينها تحت سيطرة داعش، وقعت قوات التحالف الدولي مذكرة بروتوكولية مشتركة مع إقليم كردستان. الاتفاقية كانت مهمة جدا للإقليم، وتركزت بشكل رئيسي على توحيد قوات البيشمركة والجهات المسلحة التابعة للأحزاب، لتحويلها إلى قوة وطنيًة موحدة. وقدمت قوات التحالف حينها مساعدات عسكرية تضمنت التدريب على استخدام السلاح، لكن حكومة الإقليم لم تستفد لأن تدخلات الأحزاب كانت عائقا أمام المشروع الوطني.

التحالف الدولي متشائم الآن، ووجه تحذيرات متكررة إلى وزارة البيشمركة، مؤكدا أن المساعدة والتعاون لن يستمرا في ظل التدخلات الحزبية. وفي آخر اجتماع بين الطرفين خاطب رئيس وفد التحالف الأحزاب بلهجة مشددة قائلا “كونوا موحدين”.وصرح الأمين العام لوزارة البيشمركة بختيار محمد في مؤتمر صحفي عقب الاجتماع أن وفد التحالف قال لهم “نقدم المساعدة فقط لحكومة الإقليم، ولا نقدمها للأحزاب الكردية، ولن نستطيع الاستمرار في تقديم المساعدة إن لم توحد الأحزاب قواتها”.وبحسب تقرير نشر في موقع منظمة كردية مناهضة للفساد عام 2019، يبلغ عدد قوات البيشمركة التابعة للأحزاب الكردية الرئيسية، الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، أكثر من 110 آلاف، ويبلغ عدد قوات الأمن الداخلي أكثر من 70 ألفا يتلقون أوامرهم من الأحزاب، بعيدا عن سلطة حكومية.

هذا وضع غير طبيعي، في إقليم يشهد توترات سياسية واقتصادية وجغرافية، ويعيش سكانه في قلق دائم بسبب التوترات الداخلية، وصلت في السادس عشر من أكتوبر 2017 إلى مستوى خطير بسبب انسحاب القوات الحزبية دون تنسيق، حيث تبادل الحزبان الاتهامات بالخيانة.في بدايات الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي، خصصت الحكومة الأميركية مبلغ 415 مليون دولار سنويا لمواجهة التنظيم، لكن المساعدة المالية انخفضت الآن إلى 240 مليون دولار سنويا، توزع رواتب شهرية لقوات البيشمركة تحت إشراف حكومة الإقليم.ورغم تجديد مذكرة التفاهم بين البنتاغون والإقليم للتطوير والتعاون في الحادي والعشرين من سبتمبر 2022، مازالت قوات التحالف التي تعمل بقيادة أميركية تبدي شكوكا من إمكانية إصلاح النظام العسكري في إقليم كردستان.

ومؤخرا كشف رزكار محمد مقرر لجنة شؤون البيشمركة في البرلمان الكردستاني، لموقع voa أن الولايات المتحدة هددت بإيقاف جميع مساعداتها العسكرية واللوجستية لقوات البيشمركة، في حال لم يتم توحيد تلك القوات ضمن قوة وطنية تابعة لوزارة البيشمركة في حكومة إقليم كردستان.رغم ذلك لم تلتزم الأحزاب الحاكمة بالاتفاقيات المبرمة مع التحالف الدولي، بل على العكس شكلت وحدات حزبية أخرى.هذا كله دليل واضح على أن عملية الإصلاح داخل الأحزاب صعبة جدا، فهي تستغل الوضع القائم وتلجأ لاستعمال القوة العسكرية الخاصة بها من أجل السيطرة على الواردات الحكومية والتدخل دون صلاحيات قانونية، وهو ما ساهم في استشراء الفساد ليصل إلى مستوى خطير جدا.

اليوم، تسيطر الأحزاب المسلحة في كردستان العراق على كل مؤسسات الحكومة، من الواردات والنفط والرسوم الجمركية والمنافذ الحدودية، وصولا إلى الدوائر الخدمية، وتعيش حرية الصحافة وضعا مأساويا، ومن الناحية الاقتصادية المستفيد الوحيد هي الأحزاب الحاكمة.ولم تستطع حكومة الإقليم مؤخرا توزيع رواتب الموظفين، والخدمات رديئة بحجة عدم وجود الأموال. الآلاف من الشبان يهاجرون إلى دول أوروبا بسبب البطالة وانعدام فرص العمل. والأحزاب الحاكمة لديها سجنها الخاص بها بعيدا عن أي رقابة قانونية.باختصار، كل ما يحدث في إقليم كردستان هو نتيجة هيمنة الأحزاب الحاكمة على مفاصل الحكومة، ومنها حمل السلاح غير المرخص من قبل الأحزاب دون علم الحكومة.ورغم الجهود المتكررة التي بذلتها قوات التحالف الدولية برئاسة الولايات المتحدة على مدى السنوات الماضية، للضغط على الحزبين الكرديين لتوحيد قوات البيشمركة، إلا أن الخلافات السياسية بينهما لا تزال تحول دون اتحاد هذه القوات.على ضوء تلك المؤشرات السلبية، التحديات التي يواجهها إقليم كردستان كبيرة جدا، ولا غرابة أن تؤدي بالإقليم إلى نفق مظلم.هل يمكن إصلاح الإقليم بوجود الآلاف من القوات المسلحة الحزبية؟لا شك أن العوائق التي تعترض فرض سلطة القانون كبيرة جدا.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *