اللّغة بدون دقة صارمة مادة قابلة للاشتعال

اللّغة بدون دقة صارمة مادة قابلة للاشتعال
آخر تحديث:

 بقلم :روبرت مكروم
معجم “المرادفات الانكليزية “thesaurus” هو الكتاب الخامس والستون من اختيارات أفضل مائة كتاب غير روائي، وهي الكتب التي يتناول مؤلفوها الموضوعات القائمة على الحقائق بالرغم من إثاراتها الأدبية العميقة، ومنها هذا المعجم الذي وضعه عالم الرياضيات واللغة بيتر مارك روجيت، الذي عاصر العهد الفيكتوري ويعد من اساطينه الرئيسة. 
  من خلال قراءة سيرة روجيت المقترنة بنشاطه الذاتي وطبيعة عصره يظهر فيه أن اللغة ما لم تتلازم بالدقة والادوات المناسبة فسيكون خطرها مثل مواد قابلة للاشتعال لاحراق الممالك والامبراطوريات، فضلا عن انها ذات خصائص ومزايا اجملها من خلال المعاجم وخلص بها بواسطة البلاغات.
فبالنسبة للكاتب تبدو بلاغة لغته مثل خدوش متوازية في صخرة جيولوجية صلدة “الميوسوزيك”، تكتنز المفردة الانكليزية بتراكماتها المنعكسة جراء الاضطرابات التاريخية المتصاعدة كالغزو الروماني والتوغل الدنماركي وتنوع العنف الانجلو سكسوني، واخيرا الفتح النورمندي، وكانت النتيجة معجما ضخما أدى الى المضاهاة والتفوق على الأنداد والمنافسين في اللغات الأخرى. فالفرنسيون لديهم ما يقرب من مائة ألف كلمة والألمان قرابة المائة وخمس وثمانين ألف كلمة، فيما تفتخر اللغة الانكليزية بخمسمائة ألف في قاموس اوكسفورد، اضافة الى اربعمائة ألف كلمة لمصطلحات تقنية لمتدرج بعد. 
فضلا عن ذلك وكنتيجة للنمو المتراكم، فإن الانكليزية غنية بالمرادفات التي تجعل اللغة واسطة خفية للتعابير ذات الظلال الدقيقة للمعاني؛ كما لدى الروائي جورج اورويل. 
   هناك اقتباس عن الكاتب “اورويل” في كتابه عن المرادفات يقول ان: “مفردات الانكليزية تنشئ معنى أكثر من ما تبدو عليه من خلال ممارسة وتحويل اقسام الكلام الى بعضها (كالأسماء والضمائر والأفعال والظروف والصفات- المترجم-)، على سبيل المثال في الغالب أي أسم بالامكان استخدامه كفعل ما بمقدوره أن يمنح افقا اضافيا للأفعال، لهذا فمفردة “السكين”، مثلا، تعني يطعن، أو المدرسة تعني يعلّم، ونار.. يحترق.. الخ. 
فضلا عن ذلك، فإن الإنكليزية هي لغة الاقتراض التي تعني أن تتولى اللغة تطويع أية كلمة أجنبية تلبي حاجة لغوية أو تسد فراغا، وكلمة “الحرب الخاطفة “”blitz” كمثالجديد.
أما بالنسبة للعقل الخلاق؛ فتمثل هذه البراعة تعددية خلاقة بينما تمثل فوضى بالنسبة للعقلية المنطقية، لكنها بالنسبة للعقلية الفيكتورية الباحثة تعني فرصة كبيرة لاثبات المنهجية. فكانت النتيجة الفريدة ظهور معجم “ثيسوريس-  thesaurus” المحبوب للكاتب الانكليزي. 
وهو مؤلَّف نراه اليوم كأمر مفروغ منه على أنه صاحب لا يمكن الاستغناء عنه مع أي قاموس؛ واختراع استثنائي ملحوظ كان مؤلفه عالما أولا وقبل كل شيء.”
كان روجيت عالما متميزا في الرياضيات وأحد أعمدة الثقافة الفكتورية..  وكان يحمل طوال حياته (71عاما) دفتر ملاحظات، يسجل فيه قوائم وعبارات مترابطة الصلات ساعيا الى تنظيم الفوضى الجامحة في اللغة، لذا فهو استثمار ذاتي  في قوة وأهمية اللغة والتعامل مع  الغموض.
ومن اقواله في العام 1852: “كل عامل في الفن يجب أن يزود بالأدوات المناسبة”، معربا عن روحه المهنية والسائدة في عصره. “يستخدم الكاتب لإنجاز أغراضه أداة الكلمات. ولذلك، من الضروري لنجاحه أن يزود بمفردات غريبة”. أكثر من مجرد متلقين لقوى لغوية هائلة، يجب أن يمتلك جميع الكتاب ذكاء ميدانيا مثاليا،” قيادة كاملة لجميع موارد وأجهزة لغته “، لجعل كل واحد منهم إمبراطورا من الكلمات.
وقال أيضا: “الدقة الصارمة يجب أن تنظم استخدامنا للغة وإلا فإن المدرك الزائف قد يؤثر في اللغة مثل مواد قابلة للاشتعال وإشعال لهيب الحرب وتغيير مصير الإمبراطورية.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *