الوردي يكشف اللاشعور

الوردي يكشف اللاشعور
آخر تحديث:

ياسين النصير
يعدُّ الدكتور على الوردي واحدًا من الروّاد القلائل الذين أسسوا منهجية لعلم الاجتماع على أرضية عراقية قلقة تتجاذبها الانتماءات والجغرافيات والاثنيات، ولأنَّه عالم مفرد كانت بعض طروحاته بين صواب واحتمال الخطأ وهو ما يؤكد اهمية باحث متفرِّد في قضايا مجتمع كلّ شيء فيه بكر، والمشكل الأساس أن الوردي حلل طبيعة المجتمع العراقي قبل أن يشخِّص السياق الذي يوضع فيه هذا المجتمع، مما يعني ان بحوث الوردي كما لو أنَّها الرأس بينما الأطراف بقيت مجهولة وغير مبحوثة. فالسياق الذي يدرس في ضوئه المجتمع العراقي غير مشخَّص نقديًا ولا اجتماعيًا، وبالضرورة عندما نتحدَّث عن السياق فإنَّنا نتحدَّث عن مجموعة واسعة من متواليات الأحداث التي تشكل حالة اجتماعية معينة، فالسياق ليس لفظًا مجردًا، إنَّما هو عبارة عن اتجاه مجرى الأحداث، وكلُّ حدث له ثلاثية تكوينية بداية ووسط ونهاية،  هذا يعني أن السياق يمنهج لنا الرؤية الاجتماعية لتشكيلات المجتمع عبر تطور مراحله ومراحل هذه التشكيلات نفسها. الدكتور الوردي وهو يشخِّص بوضوح جزءًا من طبيعة العلاقة بين البداوة والمدينة، يصيب في الكثير من المواقف لكنَّه لا يطرح نظريَّة متكاملة عن العلاقات التي تبني هذه التطورات، لأننا عندما نعرف الآن الأشكال التي تطور إليها المجتمع العراقي وهي أشكال مخيفة من حيث أن اضطراب منظومة القيم الاجتماعية والأخلاقية التي ضربت في أكثر من موقع خاصة في الخمسين سنة الأخيرة، علينا أن نعرف تشكيلاتها الابتدائية، كيف كانت، وكيف تطورت وما هي القوى التي اسندتها وغذَّتها، وعلينا أن نتعرَّف على حلقاتها الوسطية كيف تشكَّلت. لذا لا يمكن رؤية المجتمع العراقي نقديًا ومن وجهة نظر اجتماعية متطورة من دون أن نتعرَّف على التأسيسات المعرفية والاقتصادية والمجتمعية والأسرية واللغوية، لأنَّ هذه التشكيلات واحدة من البنى التحتية التي تقوم عليها دراسة أي مجتمع.
أسس الدكتور الوردي هذه الرؤية المنهجية للأرضية الاجتماعية بنماذج وأشكال وحالات مختصرة، وهذا الجهد كبير وغير هين في الدراسات الاجتماعية، ولكن النظرية التي تنظم سياق هذه الرؤية واضحة بحدود أنَّها تعكس تجربة مضطربة.كل خطاب اجتماعي أو لساني أو نفسي يشكِّل نظامًا، وهذا النظام لا شعوري، وكل خطاب يتركَّب من عدد من الوحدات كما يقول عالم الاجتماع عبد السلام حيمر، وأن هذه الوحدات لا تكتسب دلالتها من ذاتها، بل من علاقاتها المتبادلة داخل نظام ذلك الخطاب. وحتى لا يشطُّ بنا المزار، ولا نبتعد عن فحوى الذكرى لعالم جليل وكبير فتح في الثقافة والدرس الاجتماعي نافذة يمكننا ان نرى عبر شساعتها جوانب كثيرة من بنى مجتمعنا العراقي، تؤسس دراسات الدكتور الوردي خطوة في الاتجاه العلمي المنفتح، وعلى مؤسسة الجامعة أن تديم حقول البحث فيها.
 ثيمة الدكتور علي الوردي انه ما يزال يُحرِّك الدرس الاجتماعي، فقد وضع بدايات الصواب لطرائق البحث، وعلى المعنيين أن يديموا هذا الحضور حتى وإن اختلفوا نظريًا وعمليًا مع طروحاته، أعتقد ان هذه المناسبة تثير فينا جدلية السؤال الدائم عن جدوى دراسة المجتمع العراقي  من جديد وبطرائق نقدية حديثة. 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *