المرآة.. بنية اعتراف أم جلد الذات المؤدلجة

المرآة.. بنية اعتراف أم جلد الذات المؤدلجة
آخر تحديث:

محمد جبير
يسرد حميد العقابي في نصه الروائي «المرآة» وقائع من حياة العراقي «سامي عبد الحسين» المودع في السجن المركزي في الدنمارك والذي توفي في المستشفى اثر اصابته بسرطان المخ، ومنذ وفاة هذا المواطن في العام 2014 ، يكون هاجس التدوين مشتعلا في داخل الكاتب لتدوين الوقائع المعروفة وفك التشابك في هذه الوقائع من اجل رفع الغشاوة عن رؤية حقائق الاشياء، الا انه حتى في هذه الرؤية التي قد تعد مكاشفة او مراجعة مع الذات « الانا – الاخر»  تبقى مراجعة تخضع لذاتية السارد وموقفه من الوقائع اليومية التي تسر.مايسرد من وقائع ليست خاصة بمعنى الملكية الشخصية للحوادث وانما تتسم بمشتركات مع العام الخاص لانها لاتتحدث عن شخص محدد الملامح والكيان الانساني بذاته وان تمت تسميته في المتن السردي بمسمى محدد الا ان هذا المسمى كان علامة لتميزه عن الشخصيات الاخرى من اجل استمرارية الحكاية، حيث ان مشتركات التاريخ الايديولوجي للحوادث والوقائع الروائية التي قام السارد بتقديمه، هي وقائع من التاريخ الدموي للصراع الايديولوجي في زمن السبعينيات من القرن الماضي، وهي الفترة الزمنية من تاريخ العراق الذي لم يكتب عنها الكثير في السردية العراقية وذلك للمحظورات السياسية في الكتابة عن هذه المرحلة لكن مابعد التغيير، صارت مساحة البوح والكشف والتدوين فضاء مفتوحا امام المبدع العراقي في الكتابة عن كل مايدور في ذهنه من دون محاذير او تردد او خوف سوى تلك المحددات الذاتية للكاتب التي تشكل التزامات اخلاقية امام التاريخ الشخصي للانسان. ارتكز العقابي في بنيته الاسلوبية لسرد حكايته على بنية الاعتراف او البوح الذاتي «انا» السارد لاضفاء شيء من المقبولية على الحالة التي تسري في متن وقطع حال الاحتجاج او التذمر او التقاطع مع وقائع النص لاسيما حين تمس تلك الوقائع تاريخ السياسي العام للحزب الشيوعي العراقي والعلاقات الداخلية بين المنتمين له، وفي اثناء فترة الجبهة الوطنية واعتراضات القاعدة الحزبية على القيادة السياسية للحزب.اذ صارت رحلة النضال الشاقة للشخصية المحورية في الحكاية برفقة الزوجة المتمسكة بالمبادئ التي غادرها الزوج هي ثيمة الاعتراف التوثيقية لتلك الرحلة من بغداد الى شمال العراق ومن ثم ايران وبعد ذلك الى مدن المنافي. واذ يستهل العقابي روايته من اللحظة التي يودع بها هذا الانسان في السجن في الدنمارك فان شريط الاعتراف الاستذكاري لن يتوقف وانما يتدفق كشلال ماء عذب من دون توقف وانما هناك لهاث متواصل للحاق بتدفق تلك التفاصيل من دون الشعور بالملل او التوقف لاسترجاع الانفاس، فان هذه السردية الروائية قطعة سردية مسبوكة سبكا دقيقا على يد نساج دقيق يعرف كيف واين يتوقف ومن اين ينطلق ساردا لتفاصيل تضيء تفاصيل من اجل خلق حال التواصل بين المتلقي والحيوات السردية في متن النص. 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *