رواية الصوت والوقوف على حافة السرد

رواية الصوت والوقوف على حافة السرد
آخر تحديث:

علي لفته سعيد 

تسعى الرواية الحديثة التي جُعل لها تاريخ ما بعد العام 2003 أن تكسر بما يطلق عليه نمطية الرواية المتعارف عليها حتى تلك التي كتبت تحت يافطة الحداثة وما بعدها، وهو أمر جيد أن تجد هذه الرواية أسلوبها الكتابي في ترويج الفكرة داخل إطار سردية حديثة تهشم بها تابوات الكتابة وتراتبية المعلومة وجاهزية الشكل.. ولهذا تجد هذه الرواية التي ابتنت على يد روائيين عراقيين برزوا بعد هذا التاريخ قد أخذت على عاتقها هذا التهشيم سواء بالشكل أو الأسلوب أو اللغة أو حتى التلاعب في جوهر الحوار السردي داخل الرواية.. حتى بات من الصعب التمييز بين أن تقرأ رواية أو تسمع حكاية خاصة إذا ما عرفنا ان هذه الكتابات انتهجت في أفكارها وثيمها أغلب الأحداث التي وقعت بعد هذا التاريخ.

لا نقول يجب أن تتركز على ثوابت ومرتكزات الفن السردي أو الأساليب الكلاسيكية التي يبنى فيها الجسد النصي، بل نقول إن المحاولات تسعى لأن تكتب رواية بطريقة جديدة على أن تبقى اليافطة الكبيرة هي انها رواية حتى لو سعى البعض الى طرح مصطلح جديد يكتب أسفل العنوان.. لذلك نجد ان هذه المحاولات التي نطلق عليها الآن محاولات تجريبية يقوم بها وينفذها عدد من كتاب الرواية تسعى الى طرح مفهوم جديد على أن ما يمر به العالم من تهشيم للقيم والتعاليم واضمحلال الحب وتنامي الكراهية والسعي الى الموت واستنزاف العقل البشري وزراعة الأحقاد وطفح غياب الهوية الرئيسة، كل ذلك يعد إحباطا وان الاسلوب القديم لم يعد يستوعب القيم الأخلاقية في الثيمة السردية او الأسلوب السردي لم يعد قادرا على استيعاب المتغيرات التي حصلت على الكرة الارضية. لذا فإن الأوان قد آن لإيجاد متسع سردي يستجيب لهذه النداءات بغض النظر على التوافقات التي تتبعها الذائقة القرائية من جهة أو التي تتطلبها الحالة النقدية من جهة أخرى.. فهي تكتب ولن تلتفت الى ما يعنيه الآخر من تصادمات مع الذائقة أو القبول بها، إذا ما آمنّا ان الإبداع يحمل بصمة خاصة بصفة إنتاج ذاتي يعلن عن كشف مرجعيات الذات المنتجة فإن التقنيات التي تنتج النص تخضع بكل تأكيد وفق هذا المفهوم الى ما تمثله حالة الكاتب/ المنتج للنص الروائي من أفكار حتى لو لم تقترب من الأيديولوجيات المتعارف عليها في الساحة السياسية أو الثقافية. 
إن الرواية الجديدة تسعى الى تكسير الحوار بصفته تقنية سردية والتداعيات التاريخية وكذلك الحواس، فيما يبقى الخيال العنصر الأهم المتبقي الذي يحدد جمالية النص في استخلاص جزء من المتغيرات التي أحدثها الواقع، وهو ما يؤدي بالنتيجة الى عدم إعطاء ملامح المكان باستثناء إطلاق الأسماء على الأمكنة دون الخوض في تفاصيل الوصف لها، ولذا فإن غياب الوصف أو ما أطلق عليه المستوى التصويري يؤدي الى تحويل السرد من قراءة متخيلة هادئة الى صوت مرتفع بين المنتج الروائي والمتلقي.
وهنا تكمن واحدة من خواص الرواية الجديدة، وهي تحولها من السرد في الحفاظ على عوامل المخيلة التي تمنح المتلقي رؤية أخرى واستنباط قصدية جديدة وإنتاج تأويل قريب له الى رواية صوت تستغل العاطفة والحاجة الى جلد الذات من قبل المتلقي الذي يجد في مثل هذا الوقت هو الأقرب له في التمكن من تهشيم معاناته والشعور بالراحة إن السؤال الأبرز هو: هل نجحت الرواية الجديدة وكتابها في إدارة الأحداث التي تنطوي عليها فكرة الرواية في سخريتها أو فنطازيتها..؟ هل نجحت في إدارة هذا التهشيم والتكسير للثوابت المتحركة في التدوين السردي والذي لا أعني به بالضرورة انتهاجا ثابتا للتدوين السردي المتعارف عليه في الروايات الأولى التي ظهرت بل في إدارة الحدث وفق الأحداث التي ترتئيها الفكرة ويرتئيها المنتج لكي تصل الفكرة وفلسفتها وتأويلها الى المتلقي؟ 
هل نجحت ايضا في تغليف المخيلة على العاطفة لأن العاطفة إذا ما دخلت في محركات الإنتاج الفني سرعان ما ينتهي مفعول سحرها لأنها ستكون أشبه بلحظةٍ مبكيةٍ او ضاحكةٍ ولا تكون كذلك في إعادة القراءة مرة أخرى، لأن الثانية في القراءة سنكتشف ان ما قيل لا يعدو عن كونه مجرد قول مأخوذ من واقع نحن نعيشه.. ولذا نجد أن هناك ما يمز هذه الرواية وما يمنحها علامات محددة وخواص دالة.1- جنوح الرواية الجديدة الى استخدام لغة انتقادية تتصل بالانتقاص من كل شيء في الواقع وإحالته الى لغة جديدة تهكمية وقد تستخدم حتى الألفاظ التي لا يمكن للمتلقي قولها مع نفسه فتنوب عنه الرواية في القول والطرح.. مثلما تكون هذه اللغة تحمل روح الاشمئزاز بل وعدم اعتمادها على التصريح البلاغي أو ثوابت النحوية.
2- النزوع نحو استخدام قواعد لغوية جديدة لا تهم إن كان (لم) جازمة أو ان المفردة الشعبية هي مفردة عربية مفهومة من جميع القراء لأن ما يهم هو كيفية سبر أغوار الصوت في جسد الرواية وكيفية سحب العاطفة من المتلقي وإسقاطها على النص.3- عدم الاهتمام الكلي بالوصف أو المستوى التصويري الذي يقرب مخيلة المنتج من مخيلة المتلقي والاستمرار في عملية الأخبار لما يحصل في المتن على أنه الميزة الأهم والاكتفاء بسرد الأحداث على لسان الراوي والركض خلف المعلومة بطريقة الصوت.
4- غياب الاهتمام العام بالزمن الذي تجري فيه الأحداث وعدم ملاحقة الواقعة لأنها غير معنية بجذب الوحدات الزمنية لتكوين زمن خلاق قادر على إعطاء ملامحه وبالتالي ربما يكون اغترابا زمنيا في الرواية الحديثة لأنها غير معنية بذلك.
5- عدم الاهتمام بالمكان كجزء من حيثيات الرواية وجعله معلومة تحمل اسما فقط دون الخوض كثيرا في تفاصيله أو تتويجه بفعل المخيلة القادرة.
 6- تهتم بمخاطبة المتلقي بطريقة مباشرة عبر استخدام الأسلوب العاطفي الذي يعتمد على الصوت، فالمتلقي هنا سيجد صوتا يخاطبه وهو بالتالي واقع تحت تأثير جلد الذات التي يحتاجها.
 7- انفلات عقدة الأبطال المحددين في الروي وجعل كل ما هو موجود بطلا حتى لو كان ذلك على لسان الراوي وهذه تحتاج الى مقدرة روائية كبيرة لم تصل بعد الى نضجها الانتاجي.
 8- الجنوح الى الفنطازيا كحل ميتافيزيفي لإحداث رؤية مخالفة للقصدية التي يراد طرحها والتي يراد منها أن تمنح التأويل منطقة أولى، وهذا الجنوح يمهد الى طرق أبواب عديدة لمواجهة ما هو مخالف لكي ينطق ويكون قادرا على كشف عوراته.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *