زها حديد.. ماجدة من العراق

زها حديد.. ماجدة من العراق
آخر تحديث:

ترجمة – مي اسماعيل
صارت المعمارية الشهيرة زها حديد اول امراة تتسلم الميدالية الذهبية للجمعية الملكية للمعماريين البريطانيين للعام 2016. تتحرك زها عراقية المولد، عالمية الشهرة في مسار مهني خاص بها. فظهرت بصمتها المعمارية في مدن مثل باكو (اذربيجان)، لندن، هونغ كونغ، وغوانغزو (الصين). وحازت موقعا يخصها هي بالذات كواحدة من اكثر المعماريين طلبا في العالم. تمتلك عمارة زها حديد بريقا لا يقاوم في التواءات منحنياتها المعقدة، وتتحدث بلغة مستقبلية خلقت جيلا من المقلدين حول العالم. حتى باتت المباني المقلدة تبنى اسرع من نسخها الاصلية. ودعمت (أكثر من اي معماري آخر) ثقافة التصميم الحاسوبي الذي يتخطى الحدود المفهومة؛ لتخلق عوالم تذوب فيها الجدران مع الارضيات، وتتحدب فيها السقوف او تنتفخ، وتندمج الواجهات لتصير جلودا مثقبة وأوشحة متموجة. وسواء كانت للأحسن أو للأسوأ؛ فقد أصبحت عمارة حديد المنحى الذي تتوجه اليه معارض الفنون ودور الأوبرا، والملاعب الرياضية واجنحة الشركات. وقد يوظفها حاكم تلك المدينة او تلك ليترك بصمته الايقونية على ارض المدينة.
كان «بيتر كوك»؛ من مؤسسي مجموعة «آرتشيغرام» الراديكالية في الستينيات وأحد مدرسي حديد السابقين في مدرسة العمارة بلندن، وهو يعدها واحدة من أفضل العقليات في جيلها. كتب في خطاب تسليم الميدالية: «لقد تجرأت على الاندفاع حيث يخاطر القليلون، ولمدة ثلاثة عقود. واذا كان (الرسام) «بول كلي» قد أخذ الخط في نزهة؛ فقد أخذت زها السطوح التي مر بها ذلك الخط وصحبتها الى رقصة مؤثرة، ثم طوتها على نفسها بمهارة، ثم صحبتها لرحلة في الفضاء».

جدلية الانتفاع المعماري

لعل رقصة حديد الكونية وصلت أكثر ذرواتها اندفاعا في مركز «حيدر علييف» بأذربيجان، الذي انتهى في 2013. فهو يشبه الرغوة المخفوقة المنسكبة على الموقع كموجات متواترة، محيطة بفضاء يبدو كمن ابتلعه شبح حوت ابيض. لكن بناء ذلك الصرح استدعى ترحيل 250 اسرة من الموقع، بينما شابت روعة التصميم اتهامات بالاساءة لحقوق الانسان في
 البلد.
ترد حديد بصراحة متميزة على مثل هذا التساؤل، قائلة: «انها مسألة من اختصاص الحكومة المعنية، وليس من واجب المعماري التحقق منها». ترى حديد ان واجبها يكمن في استحضار اشكال لم يتخيلها احد من قبل، وتصور فضاءات لم يحلم بها احد. لكن النتائج قد تتفاوت احيانا. فالسباحة تحت سقف المسبح الاولمبي بلندن تجربة سامية؛ حيث تندفع الواح الغطس الكونكريتية الطويلة كالالسنة فوق مياه الحوض. لكن دخول المبنى عبر باب صغير لا يوازي اهمية المدخل المفترض خلل لا يمكن تجاهله.
هذا ما يحدث احيانا في مشاريع زها حديد؛ فحين تضطر الاشكال المبتكرة، التي جرى ابداعها على كوكب «زها»، للتداخل مع العالم الواقعي؛ لا تجري الامور بسلاسة في جميع الاحوال. ومع ذلك حازت اعمالها جوائز عديدة؛ منها جائزة «ستيرلنغ» المعمارية المرموقة (مرتين)، عن متحف «ماكسي» في روما وأكاديمية «افلين غرايس» في بريكستون ببريطانيا. وهي اول امراة تسلمت جائزة بريتزكير منذ أكثر من عقد مضى، فجاءت جائزة الاكاديمية الملكية لتحاول اللحاق باستحقاق تأخر بعض الشيء. كان هذا التكريم نوعا من التصويت بالثقة ودفعة معنوية، لمعمارية اعتادت ان تواجه بصلابة انتقاد زملاء المهنة ومنظري
 العمارة.

زها حديد.. ماركة عالمية

تسلمت المعمارية الميدالية (نوعا ما) لتأثيرها على ما هو ابعد من المباني. لقد نما وجود «زها» بالفعل ليصير اشبه بماركة عالمية؛ فقد صممت حقيبة يد لـ»فندي»، وزهريات لمصانع كريستال «لاليك»، وقارورة عطر لدار «دونا كارين». ثم كان تصميم اليخت الفاخر (وهو مشروع لا مفر منه لجميع المصممين المشاهير)، ومجموعة ملابس السباحة الجريئة؛ مما ادى لانتشار اشاعة انها ستطلق علامة ملابس حصرية جديدة. وفي العام الماضي عرضت مجموعة من التجهيزات المنزلية بمحلات «هارودز» اللندنية المترفة؛ تضم شموعا معطرة واكوابا معرّقة ومجموعة من اطباق التقديم الملونة بسعر 9,999 باون.
لكن الرحلة الى الانتشار العالمي وتجهيزات المائدة الغالية لم تكن سهلة دائما.. درست زها، المولودة في بغداد عام 1950( 64 سنة) الرياضيات بالجامعة الاميركية في بيروت، ثم غادرت الى لندن في 1972 لتدرس العمارة؛ حينما كانت المدينة منفتحة للتجريب في التصميم المعاصر. عملت لفترة مع مدرسها السابق «ريم كوولاس» كشريكة في مكتب «متروبوليتان للعمارة»، ثم اسست عملها الخاص في 1979. لكن فرصة البناء لم تسنح لها حتى 1993؛ بتنفيذ محطة اطفاء صغيرة لصالح مصانع فيترا للاثاث بمنطقة الراين. أزعجت جدران المحطة المتقلبة الاطفائيين، ولم يستخدم المبنى لفترة طويلة.
لازم وصف «معمارية على الورق» زها حديد طويلا؛ وكُتب على مخططاتها الدراماتيكية ذات الشظايا المتصادمة ان لاتغادر طاولة الرسم. كانت خسارة دار اوبرا خليج كارديف (وهي مسابقة ربحتها في 1994 ولم تنفذ ابدا) ضربة موجعة؛ فلم تنفذ مشروعها البريطاني الاول حتى 2010. لكنها عوضت كل ذلك وبقوة؛ فبنت دور اوبرا في الصين، ومتاحف في اميركا ومصانع سيارات في المانيا؛ تحمل كلها طابعها الذي لا لبس فيه، بجميع
 التفاصيل.
يقارن «بيتر كوك» موقعها من العمارة اليوم بالمعماري «فرانك لويد رايت» قائلا: «تشاطره زها اليوم دوره الثمين في الوقوف على القمة، بالتميز والتأثير الساحق على كل ما حولها، الذي يجعل من النتائج كيانا متفردا عن المجموع المألوف».
اوليفر وينرايت
الغارديان البريطانية

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *