سالم زريقاني أفضلَ ناشر عربيّ

سالم زريقاني أفضلَ ناشر عربيّ
آخر تحديث:

بغداد/شبكة أخبار العراق- صناعةُ النشرِ هي صناعةُ ثقافة، بكلّ ما تتضمّنُه كلمةُ صناعة من معاني التنظيم والتخطيط والعقلانية. وبهذا المعنى تتطلّعُ بعضُ دورُ النشر العربية إلى التأثير في مشهد الثقافة العربية، وإلى المساهمة في صياغةِ نمطِ التفكير، ونمطِ الحياة في نهاية المطاف. يُثبتُ ذلك أن الكتّابَ أنفسَهُم ما زالوا يتطلعون إلى نشر أعمالهم في بعض دور النشر دون بعضها الآخر.

الكتاب الاكاديمي

ان إجازةً للكتاب لا تتحققُ فقط عبر أهمية كاتبه وأفكاره فقط، بل عبر اجتيازه الشروط الصعبة التي تضعُها بعضُ دور النشر. ولقد شهدت صناعةُ النشر في العالم العربي جهوداً استثنائية في هذا المجال لبعض دور النشر، التي كانت تضع الاعتبارات العلمية والثقافية والجمالية في موضع الصدارة.ولعلّ صناعةَ النشر في العالم العربي قد شهدت منذ سنوات قليلة تجربةً فذةً جسّدت تلك الاعتباراتِ وجعلتْها أهدافاً. وأعني هنا دار الكتاب الجديد ودار المدار الإسلامي، وهما داران أسّسهما الأستاذ سالم الزريقاني ببيروت مطلع هذه الألفية. بأناةٍ تدعو إلى الإعجاب، يعملُ هذا الناشر المثقف على إنتاج كتب من نوع خاص، فقد قَصَرَ نشاطَه على صناعة الكتاب الأكاديمي، فهو يبحث في الأكاديميات العربية، سفراً فعلياً ومراسلاتٍ، عن كلّ ما يروي ظمأَه أولاً إلى المعرفة ليقدّمها إلى القارئ العربي الذي يعرفُ هو قبل غيره مأساتَه ومأساة القراءة في العالم العربي. وبفضل جهوده، يصبحُ لصناعة النشر المعنى الحضاري والإنساني لكلمة صناعة بدلاً من معناها الربحيّ المحض. إنّ صناعة شيء تعني خلقَه وإبداعَه، وسالم زريقاني يمارس الخلق والإبداع في صناعة الكتاب حين يمنحنا كتباً مبدعة في محتواها وشكلها.
نبذة تعريفية

ينحدرُ سالم الزريقاني من مدينة زليتن في ليبيا لأسرةٍ معروفةٍ باسم “أبناء الشيخ”، وليس الشيخُ سوى المتصوّف المشهور سِيدي عبد السلام الأسمر الذي كان له ضريحٌ مهيبٌ في زليتن قبل أن يدمّره السلفيون الوهابيون بعد سقوط نظام معمّر القذافي، وينبشوا قبرَه، ويبثّوا صوراً فخراً بإنجازهم. ولقد عرفتُه شابّاً في الدراسات العليا أيام عملتُ في جامعة ناصر الليبية أواسط التسعينيات، كان كلّ ما فيه شكلاً ومضموناً يوحي بطموح بعيد في عالم الثقافة، أول حديث بيننا كان عن حازم القرطاجني، ففرش أمامي معارفه التفصيلية عنه بدقة أثارت انتباهي، وظلّت الصلةُ بيننا تدخل مساراتٍ مميزةً في الحياة والعمل على إنتاج الكتب. وفي أواخر التسعينيات، قرّر هذا الشابّ الليبيّ المتطلّع أن يقتحم عالم نشر الكتب من دون أن يكون له أو لأسرته تاريخٌ في هذه المهنة الصعبة وذات الكلفة المادية والنفسية العالية، فعالم هذا العمل معقّد ومقصور على ذوي الخبرة والتاريخ الطويل فيه. مع ذلك، شاء أن يخوضَ غمارَ تأسيس دارين للنشر، وأين؟ في لبنان، التي فيها أكبر مؤسسات النشر العربية. فقام بتأسيس دار الكتاب الجديد المتحدة، ودار المدار الإسلامي. وعلاوة على ذلك، قام بتأسيس دار نشر ثالثة في ليبيا عنوانها “أويا”.
تقاليد نشر أصيلة

أصرّ سالم الزريقاني على إرساء تقاليد نشر أصيلة تحترمُ الكتابَ في مستوى اجتهاده ومستوى مؤلّفه ومترجمه، ومستوى جودة طباعته، وتوزيعه، والحقوق التي ما زالت تُخترَق في العالم العربي. وإذا كانت شهادتي فيه مبتسرةً بعضَ الشيء في هذا المقام الذي يستدعي الاحتفاء به في أيام معرض بغداد الدولي للكتاب، فقد تناهى إلى سمعي الكثير من التعليقات من المثقفين العرب والعراقيين أن ما ينشره زريقاني من كتب ترقّيه إلى صفّ هو الأول فيه من بين الناشرين العرب، فقد تمكّن ببضع سنوات من أن يثبّت مهنتَه في أصعب بيئة للنشر، بيروت، وبين دور نشر ذات تقاليد راسخة ومعروفة، أتقنتْ أصولَ حرفةٍ تتطلب حِذْقاً وذكاءً وهمّةً وصبراً وتضحية.بالنسبة لكلّ من عرف شخصَ سالم زريقاني وشخصيته، لا مراءَ أن عند هذا الناشر الألمعيّ شغفاً بالكتاب، يتأمل كلَّ كتاب يضعُ يديه عليه، ويقلّبه لامساً أطرافَه، ومتحسّساً غلافَه، وهو يتحدث عنه حياً، ويقول إنه كتاب عظيم، ومبهر. لم يقف شغفُ سالم الزريقاني بالكتاب المؤلّف، بل تعدّاه إلى الكتاب المترجم، لكنه لم يسقط في فخّ الترجمات الرديئة أو السيئة مثلما سقط ناشرون آخرون. فمن واجباته التي لا يتخلى عنها العناية بتحسين جودة الكتاب المؤلَّف والمترجم، وإنه ليفني وقته وجهده وحياته في تقصّي أمر الكتاب حتى يعثر عليه. ولذلك فإن معارض الكتب تتسابق على حضور كتبه وحضوره فيها، ليكون جناحه مقصوداً من الأكاديميين والمثقفين.
صياد جوائز

ولم يبلغ صدى إصدارات هذا الناشر عبر دار الكتاب الجديد المتحدة ودار المدار الإسلامي ودار أويا في نفوس الأكاديميين والمعنيين بالكتاب فقط، بل بلغت المؤسسات التي تمنح الجوائز. أما قائمة الكتب التي قام بنشرها وفازت بالجوائز المعروفة فلا تفي حقَّه، وإن كانت قد نالت جائزة رفيعة مثل جائزة الشيخ زايد للترجمة لسنتين متتاليتين. ففي العام 2014 نال إصداره ترجمة كتاب (إسكان الغريب في العالم المتوسطي: السكن والتجارة والرحلة في أواخر العصر القديم وفي العصر الوسيط) لأوليفيا ريمي كونستابل جائزة الشيخ زايد، وفي العام 2013، نال إصداره ترجمة كتاب (الكينونة والزمان) لهيدغر الجائزة نفسها، وفي العام 2009، نال إصداره ترجمة كتاب ريكور (الذاكرة التاريخ النسيان) جائزة خادم الحرمين، ونالت ثلاثة كتب من إصداراته جائزة وزارة الثقافة بالمغرب وهي (سيميائيات الأهواء) و(ما التاريخ الأدبي) و(إشكالية العقل والوجود)، وفضلاً عن ذلك، نال إصداره كتاب (التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للدولة العثمانية) جائزة الملك فيصل. وأخيراً، كان معرض بغداد الدولي للكتاب في دورته السابقة في العام 2014 قد اختار سالم زريقاني أفضلَ ناشر عربيّ في المعرض.مثلما يتطلّع سالم زريقاني إلى أعظم الكتب لينشرها سواء أكانت مؤلّفةً أو مترجمة أو محقّقة، يتطلّع الأكاديميون والمثقفون وحتى الناشرون إلى منشوراته، وجناحه في أيّ معرض قِبْلةٌ للقاصدين، وقد خبرتُ ذلك بنفسي في عواصم عربية مختلفة. وما هذه السطور الموجزة سوى تحية من صوامع معرض بغداد الدولي للكتاب للراهب المنقطع عن كلّ شيء سوى الكتاب: سالم زريقاني.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *