سعادة الطريق وعناؤه

سعادة الطريق وعناؤه
آخر تحديث:

عبد الزهرة زكي

ينشغل كاتبٌ بالنصِّ فينسى الجملة.مثل هذا الكاتب يبدأ بالكتابة فيما كل تركيزه يكون موجهاً نحو رغبة الانجاز، الانتهاء من كتابة النص. إنه كاتب عجول ولكن في مهمة هي التي تفرض الإبطاء والتعجيل وليس هو.النص في مثل هذه الحالة هو صورة متخيلة في ذهن مؤلّفه، وما الكتابة إلا سعيٌ من أجل بلوغ هذه الصورة على الورقة أو شاشة الكومبيوتر.في غمرة هذا السعي العجول لا يفكر المرء برشاقة خطوته. ثمة هدف يريد بلوغه هو أهم من الانشغال برشاقة المسير ومن الاستمتاع بجمال الطريق؛ ما الخطى إلا وسائل زائلة على طريق الوصول، وما الطريق إلا عناء لا بد من الخلاص منه ببلوغ المحطة الأخيرة، محطة اكتمال النص.هذا هو النص الذي ليس لمؤلفه من بلوغ خاتمته سوى تعثّر الخطى في عجالتها، غبار الطريق، وعناء السفر.بعضٌ من متعة الكتابة هي هذه السعادة التي تتبدى للكاتب فجأة وهو يقف عند جملة، عند فكرة تأتي عفو الخاطر، عند جملةٍ تضيء في لحظة ظلام البحثِ عما هو مناسب، كلمةٍ تضع مفاتيحَ جديدةً  بيد الكاتب حين تُغلق أمامه الطرق.الكتابة جُملٌ، سمِّها أفكاراً أو كشوفاتٍ أو ما شئت، وما الكاتب في عالم الكتابة إلا صياد في سديم مجهول.هكذا يكون النصُ في أوان كتابته؛ هكذا يكون حيناً فضاءً رحباً وثمة فيه الأفكارُ أو الجملُ طائرة، وحيناً صحراءَ تتخفى في طيّات رمالِها شواردُ الخيال، ومرةً بحراً لجيّاً تغوص في أعماقه جواهرُ الرؤى. الصياد الماهر في الكتابة هو الذي يكون في اللحظة ذاتها في الفضاء والصحراء والبحر يقظا رائياً.الكاتبُ الماهر يُسعد ويعاني في كلِّ جملة عناءَه وسعادتَه في النصِّ كله.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *