ثنائية الزمن والنخب: برؤية شعبان

ثنائية الزمن والنخب: برؤية شعبان
آخر تحديث:

بقلم: أحمد صبري

أبحر المفكر العربي عبد الحسين شعبان عبر رحلة مضنية جال خلالها في تضاريس وسير 48 شخصية سياسية وفكرية وثقافية واجتماعية عربية، كان لها دور في صنع القرار في بلدانهم خلال 50 عاما؛ للبحث عن الحقيقة في لجة الأعاصير التي كانت سمة هذه الرحلة التي توقف عند شخوصها وهي من مدارس فكرية متنوعة، مستلهما ما تحقق في حقبة الخمسين عاما الماضية بحُلوها ومُرِّها. ورحلة شعبان عبر (الزمن والنخب) كما يراها، هي رحلة البحث عن الحقيقة وتوثيق أحداثها بأمانة وتجرُّد؛ لأنها دعوة جادة لقراءة نقدية، وهي حالة بحث دائم عن الحقيقة. ويوصف الكتاب بأنه رحلة بين ثمانٍ وأربعين شخصية تُمثِّل جزءًا حيويًّا من كينونة المشهد العربي لزمن ثقافي وسياسي له خصوصيته والانطولوجيا، باختصار بحسب شعبان هي علم تجريد الوجود. والكتاب هو بمثابة وجبة فكرية دسمة؛ لأنه تأريخ لتوثيق الأحداث العربية والمحطات التي مرَّت بها والمواقف من خلال بحث دور نخبة من الشخصيات العربية التي دوَّنها الكاتب بكتابه ليقدِّم رؤية انطولوجية لتلك الشخصيات، سواء كانت سياسية أو فكرية أو ثقافية أو دينية بأزمنة مختلفة.

وبالأحوال كافة، فالكتاب هو خريطة فكرية وثقافية ونفسية للنخب التي تركت بصماتها على الواقع العربي بكل تعقيداته السياسية وتحدِّياته الداخلية والخارجية، ناهيك عن أن الكتاب يُعد من أهم الكتب التي تدرس ظاهرة النخب وتحللها من الناحية التطبيقية، حيث يستعرض الكاتب نماذج مختلفة ومتنوِّعة، منها الحكام المفكرون السياسيون الأدباء ورجال الدين، ويسلط عليهم ضوءًا كاشفًا بتقديم قراءة نقدية مقارنة من خلال بحث دور النخب في الثقافة العربية. ويمهد المؤلف لكتابه (597) صفحة بالتأكيد على أن رحلته التي جالت في فضاء 48 شخصية نخبوية خلال 50 عاما بأنه ليس كتابة لسير ذاتية أو للتدوين، وإنما انصبَّ جهده لحظة الشروع بتأليفه على إضاءة بعض الحقائق والأحداث من خلال رؤية جمالية، وعبر زاوية شخصية، كما عاشها وشهدها ورصدها في رحلته التي شملت الشخصيات السياسية والفكرية والدينية التي أسهمت في تقديم رؤى لبلدانها، إلا أنها ـ كما يراها شعبان ـ اجتهدت أصابت أو أخطأت من أجل أن تجد لها مكانا فيه.

وفي معرض وصفه لتقديم خريطة النخب التي جال في فلكها عبر 50 عاما، يوضح المؤلف أن مهمته لم تكن ميسرة، بل معقدة وخصوصا في الاختيار والتناول، فضلًا عن الدلالة والمعنى، موضحًا بأن تراث تلك الشخصيات التي توقف عندها مفتوح، فهو معرض ـ بطبيعة الحال ـ للنقد والقراءات المتعددة، فهو ـ كما يقول ـ سعى عبر علاقته الشخصية مع العديد منهم لتقديم وجبة فكرية لدورهم في مسار العمل الرسمي أو النخبوي أو الشعبي.

وبقدر اهتمام المؤلف بمنجزه الفكري والسياسي والثقافي عبر (الزمن والنخب) فإنه يشير إلى أن هذه الشخصيات تمتد عبر الوطن العربي بألوانه وتياراته الفكرية المختلفة ومدارسه المتعددة، وذلك هو جزء من المنهج التكاملي الرؤوي لعالم عربي متعدد ومتشابك بطريقة لا يمكن فصلها على الرغم من الحدود الجغرافية والسياسية والقانونية والاحترابات والنزاعات. ويفسر مؤلف كتاب (الزمن والنخب) غياب العراق وأبرز شخوصه ودورهم خلال 50 عاما بالقول: إذا كان العراق كبلد لم يدرج ضمن الشخصيات الثماني والأربعين التي تناولها مثلت 16 بلدا عربيا، إلا أن الرؤيا العراقية كانت حاضرة بقوة وفي كل مفصل من مفاصل هذه السردية (الانطولوجية) ودورهم في أحداث الوطن العربي من أجل التآخي بين الهمِّ العراقي والهمِّ العربي.

ويخلص المفكر العربي عبد الحسين شعبان الذي أشهر كتابه في العاصمة الأردنية قبل أيام، وفي نهاية مقدِّمته للكتاب بالقول: إذا كان لكل من الشخصيات الـ(48) تاريخه الخاص والمتميز، لا سيما من سجن ومن اختفى قسريا، وثالث من قتل، ورابع همش، وخامس عاش محنته الأكاديمية، إلا أن تسليط الضوء على منجزهم المعرفي والثقافي والسياسي يقدم للقرَّاء صورة متكاملة لزمن عربي بكل ما له من سلبيات وما عليه من إيجابيات في سياق المرحلة السياسية خلال الخمسين عاما الماضية.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *