رموز الدلالات

رموز الدلالات
آخر تحديث:

امجد ياسين

أخذت الدلالات والرموز في حياتنا العادية بعدا جديدا وخصوصا بعد شيوع الكومبيوتر والانترنت، لتصبح لغة حقيقية تغني عن الجمل أو الكلمة المفردة، وقد انسحب هذا الوصف على مفاصل الحياة ومنها الحياة الثقافية، فعندما نتذكر على سبيل المثال الراحل د.عوني كرومي في المسرح يتبادر إلى الذهن دور المسرح الملحمي، واذا ما قلنا يوسف العاني فهو دلالة على المسرح الواقعي الانتقادي، وسامي عبد الحميد دلالة على أكاديمية المسرح الانكليزي وانضباطه، والسياب دلالة على الحداثة الشعرية، بينما يكون الجواهري دلالة على القصيدة الوطنية والعمودية.وإذا ما اتجهنا الى مواقع التواصل الاجتماعي فسنجد أنها ملأى بالأشكال التي أغنت روادها عن الكتابة، بل ونافستها في أن تكون هي لغة التواصل، فإذا أردت أن تصف حال إعجاب أو خجل.. فما عليك إلا أن تختار الرمز المناسب للدلالة عليها، بدلا من أن تكتب أنا خجل منك مثلا، كذلك الحال في الكومبيوتر ورموزه التي تحولت إلى لغة عالمية…لا تحتاج إلى شرح، لأن من اختارها عرف كيف يوظف الرمز في خدمة المعنى.  ان الاختصار في معنى ما انسحب بالضرورة على المقال والقصة والقصيدة بأشكالها المختلفة، لأنها  فعل يخضع للتنظيم والعلم والتقنية ويسوق أفكاره ورموزه إلى مستهلك كوني بدأ يميل ضمن متطلبات العصر والسرعة  إلى الاختصار في  الكتابة، فكلمة You بالانكليزية  اختصرت  إلى y وكلمة Are  إلى a  في الكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي أو البريد الالكتروني. عموما تشكل الايقونات لغة تواصل اجتماعية لفهم عالم أصبحت مشتركاته  متداولة.   في الحضارة العراقية القديمة كانت اللغة  الصورة، محاكاة حقيقية للواقع، فشكلت أبجدية صورية عند السومريين الذين رسموا السمكة دلالة على البحر والطير دلالة على السماء، ثم تحول هذا الشكل « الرمز» إلى كتابة، وقد استطالت هذه الأخيرة وتنوعت أشكالها لتشكل فيما بعد مدونات ثقافية. اليوم يعود العالم إلى الصورة – الرموز عبر برامج التواصل الاجتماعي ليلتقي من جديد مع سومر وأكد وإنسان الكهف القديم، بالتأكيد.. هذه الأشكال لا تغني عن الكتابة، ولكنها أحد أوجه العصر واستخداماته التي نحملها في جيوبنا كـ « الموبايل». وضعنا الراهن يبتكر أيضا رموزا ودلالات، توصل خطابات فردية تؤشر دخولها في تفاصيل حياتنا اليومية، فاذا ما شاهدت سيارات سود مظللة تحيطها سيارات «بيك اب» محملة بالجنود، تمد ألسنتها « الأسلحة» على من في الشارع، فاعرف أنها دلالة على موكب سيارات وزير، اما اذا كانت بيضاء مظللة فهي لمدير عام أو إحدى الدرجات الخاصة وهكذا.. وهي كرموز ودلالات ليست شعبية أو ثقافية تغني وتعمق ثقافة الإنسان، لأن طابعها الانفعالي يجعلها رموزا مختصرة على نمط من الأشخاص سرعان ما يتغيرون.. ان قيمة وعمق الرموز ماثلة في أن تبقى  لصيقة ودائمية بحالات وأوضاع إنسانية بحيث كلما مر زمن عليها ازدادت ثراء وقوة، فالرموز المفتعلة لا تؤسس لخطاب سياسي أو ثقافي إنساني دائم إنما خطاب فردي غير ثابت يدل على الفساد والمحاصصة والمحسوبية.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *