روايـــة نيــرودا

روايـــة نيــرودا
آخر تحديث:

محمد رشيد السعيدي
أن تكتب قصيدة رثاء في شاعر، أو أن ترسم لوحة سوريالية عنه، وحتى تأليف كتاب سيرة شخصية له، ممكن، لكن الطريق الى كتابة رواية عن شاعر، مملوء بمطبات من نوع: التوثيق، أو التسجيل، أو حتى تحنيط الطائر فوق بحور العالم بأجنحة الكلمات، وتحويله الى تمثال أبنوسي يعلوه غبار الوقت. كتابة رواية (ساعي بريد نيرودا) هي استعارة، خرجت من النص: «ماذا قال لك؟ استعارات» (الرواية ص61)، أو دخلت اليه، من خلال مخطط اللعب بالكلمات. إذ ربما كانت سيمفونية، متوالية ومتداخلة فيها أصوات الآلات، والأنغام، من: «الشعر مبدؤها ومنتهاها ومرجعها ومبتغاها» (المقدمة ص7)، الى: «ومن هو الزبون؟ بابلو نيرودا. ابتلع ماريو خيمينيث ما بدا لتراً من اللعاب» (ص17)، و: «كانت تلعب بدمى البيبي فوت الزرقاء الصدئة أجمل فتاة يتذكر انه رآها» (ص34)، فيما يبدو سرديات عالية الجودة، عبورا الى: «لاشك أن موسيقى الشراع ستأتي بعد رقصة لاكومبا» (ص128)، مرورا بـ: «حتى لو كنت يسوع المسيح بحوارييه الاثني عشرة» (ص85)، كل ذلك تعبيرا عن: «حسن، هذه استعارة» (ص28).بوليفونية: في صعود إيقاعها وهبوطه، وفي اختلاف نغماتها، تتوازى أحيانا، وتتداخل أحيانا أخرى. لم يكن سبب ذلك كون أحد شخوصها الشاعر الشهير بابلو نيرودا، وكونها أميركية لاتينية لا تني تتحف العالم بسحرية واقعيتها، ولم يكن المناخ شحيح الحضور، ورائحة البحر، وأسماكه الملونة، «أصوات بيتي: الرنين النحيل الذي تصدره الأجراس الصغيرة»، «ارتطام الأمواج، صوت النوارس، صمت النجوم الجنوبية» (ص109)، السبب الرئيس أيضا، هي كلها أسباب، في الواقع، يضاف اليها ما لا أقل منها، ولكن السبب هو الأداء البوليفوني/ المتعدد: «صوت كلارينيت بأول النغمات، مهيباً، مترنماً، ثم كررها سيلوفون خفيف، وحين رتلت رينا كيتي… رافقها الصوت الخافت والمجموعة، الأول هامساً، والآخر مترجرجاً» (ص110)، هو السبب الذي لا يجعل عيني ماريو متضمختين بالدموع فحسب، بل كل عشاق الرواية، الذين يسمعونها كسيمفونية، تجعلهم يحبونها منذ أول سماع لها، أو قراءة!! هذه ثالثة الروائي التشيلي انطونيو سكارميتا، ترجمة للعربية، بعد (عرس الشاعر)، و (فتاة الترومبون)، ومما لا يحصى من ترجمات صالح علماني اللذيذة من الاسبانية، التي لا تعد ضمن سلسلة الروائع السحرية – منذ بورخس، وكاربنتير، وامادو، واستورياس، مرورا بماركيز والليندي – غير المنتهية فحسب، بل هي مما ينافس، ويرتقي، وكي لا يكون الحكم اعتباطيا بالتفوق: «نحن أزاء رواية علامة في تاريخ الأدب العالمي»، على الرغم من صفحتها القليلة (160)، التي لا تجعل منها قصة طويلة، أو مطولة شعرية، في استعارة عربية لجماليات الفن السردي، أو الفنون عامة، بل تضفي عليها نكهة الفواكه أو الشوكولاته، التي لا تنفك عن تكرار التذوق، ولذاذات القراءة ، الدائمة.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *