سوريا بعد العراق وقبله أيضا

سوريا بعد العراق وقبله أيضا
آخر تحديث:

بقلم:فاروق يوسف

كان من المتوقع أن تلتحق سوريا بالعراق ليتكاملا في خرابهما وفوضاهما وفشل دولتيهما.كان المشروع الأميركي لاحتلال العراق قد تضمن هوامش تشير إلى ذلك. وهو ما عكس نوعا من الرؤية السطحية التي انطلق منها العقل السياسي الأميركي في تقدير الأوضاع على الأرض بعد الغزو. لذلك لم يكن الحديث عن الزحف إلى سوريا وإسقاط نظامها السياسي بعد احتلال العراق نوعا من الدعاية المضللة التي يُراد منها إشاعة الخوف والذعر في المنطقة.

وُضعت سوريا على قائمة الخيال الأميركي الشرير. غير أن الصعوبات التي واجهتها القوات الأميركية في العراق بعد احتلاله دفعت في اتجاه تأجيل القيام بتلك الخطوة. وليس من المستبعد أن تكون للنظام السوري يد في جزء مما شهده العراق من تصعيد ضد القوات الأميركية.لقد أشار نوري المالكي، يوم كان رئيسا للحكومة العراقية، بشكل صريح إلى أن سوريا هي المصدر الرئيس الذي يضخ “الإرهابيين” إلى العراق. وأشفع ذلك التصريح بتقديم شكوى إلى مجلس الأمن الذي منعته الولايات المتحدة من النظر بطريقة جادة إلى تلك الشكوى.

ولكن ما معنى تزامن انسحاب القوات الأميركية من العراق عام 2011 مع اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا والتي تحولت إلى ثورة ومن ثم إلى حرب، كانت الفصائل والجماعات المسلحة التي اتهمت سوريا بتصديرها إلى العراق جزءا أساسيا فيها؟

ستكون نوعا من التجني كل محاولة لإفراغ ذلك الحراك الاحتجاجي من حقيقة أن الشعب السوري كان قد وصل إلى قناعة راسخة بضرورة تغيير النظام السياسي عن طريق الضغط الشعبي بعد أكثر من خمسين سنة من القهر.لكن ما جرى بعد ذلك لم يكن بعيدا عن الجزء الذي جرى تأجيله من المشروع الأميركي القائم على فكرة صناعة شرق أوسط جديد، لن يكون للعرب حضور في سياساته.

“العرب خارج دائرة صنع القرار السياسي في المنطقة”. ذلك معناه أن يتحول مصيرهم إلى ما يشبه الكرة التي تتلاقفها أيادي لاعبين إقليميين، كانوا قد عبروا في أوقات مختلفة عن مواقف معادية لهم.المهم هنا أن ما أرادته الولايات المتحدة وما خططت له قبل احتلال العراق بعقود قد وجد الطريق أمامه سالكة إلى الواقع. لا سوريا ولا العراق قادران على ضبط إيقاعهما الداخلي على الأقل. فهما دولتان صارتا موضع شكوك من جهة وجودهما على الخارطة السياسية للمنطقة.

مَن منهما سبق الآخر إلى الاستجابة لأسباب هلاكه والتماهي معها واقعيا؟ لقد وجدت الولايات المتحدة في احتلال الكويت منتصف عام 1990 مناسبة لا تفوت لإعلان عدائها الصريح للعراق. غير أن عداء الولايات المتحدة لسوريا يعود إلى زمن أسبق، زمن كانت الإدارات الأميركية عاجزة عن الحصول على تنازلات سياسية من رأس النظام السوري بالرغم من أن سوريا لم تكن تشكل خطرا على إسرائيل. تلك حقيقة لا يضعها العقل السياسي الأميركي في اعتباره حين يتعلق الأمر بالتفكير في مستقبل المنطقة. فالأكثر مدعاة للراحة أن لا يكون لسوريا وجود في لائحة الدول المعادية لإسرائيل.

كل الحماقات التي ارتكبها صدام حسين كان من الممكن أن تمر باعتبارها شأنا عراقيا داخليا لولا أن الرجل كان عصيا على التدجين والقبول بإسرائيل على الخارطة بأي صيغة من الصيغ. تلك علامة استفهام وضعها الأميركان وراء اسمه باعتباره سؤالا لم يحاولوا الإجابة عليه. أما حين انقضوا عليه فإنهم كانوا قد خططوا للتخلص من العراق به ومن غيره. لقد صنعوا وهما قاتلا يقوم على كذبة ستحل محل الحقيقة. ذهب صدام فذهب العراق في إثره.

أما كان بشار الأسد يتوقع أنه سيعاني كثيرا بعد محو العراق من الخارطة؟ لا يمكن لإيران أن تحل محل العراق بالنسبة للسوريين. بالرغم من أن البلدين عاشا حالة ملغزة من العداء عبر عقود من الزمن. كانا يفكران في أن يهزم أحدهما الآخر فإذا بهما يخرجان من الحلبة مهزومين.إذا كان الأسد قد نجا من مصير صدام حسين حتى الآن فإن سوريا لم تنج من مصير العراق. بلدان مدمران، شعبان ضائعان، دولتان فاشلتان. حين كان العداء هو سمة العلاقة بينهما كانا أفضل حالا. أما حين صارا صديقين فإن صداقتهما هي عبارة عن لغم إيراني يمكن أن ينفجر بهما في أي لحظة. مرارة العيش في حضن صداقتهما لإيران هي أسوأ من عدائهما المشترك لإسرائيل.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *