قدرة العبادي على اتخاذ قرارات شجاعة ومسؤولة سيكون لها دور كبير في إعادة الثقة إلى العملية السياسية.

قدرة العبادي على اتخاذ قرارات شجاعة ومسؤولة سيكون لها دور كبير في إعادة الثقة إلى العملية السياسية.
آخر تحديث:
صادق حسين الركابي :منذ بدء العملية السياسية في العراق عام 2003 وجميع الأطراف المشاركين فيها يعانون من قضية أساسية وهي انعدام الثقة.وفي الوقت الذي يواجه فيه العراق اليوم عدواً لا يعرف من قيم الحضارة الإنسانية شيئاً سوى القتل والإرهاب، يجد السياسيون أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما. فإما أن ينجحوا في تشكيل حكومة يتفق عليها الجميع أو أن يكونوا في مواجهة الإرهاب كل على حدى.وأمام هذه التحديات يواجه رئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي مسؤولية كبيرة في توحيد وجهات النظر وتلبية المطالب التي تضعها كل كتلة كشرط لبدء المفاوضات حول تشكيل الحكومة المقبلة.فالمكون الكردي يطالب بإقرار قانون النفط والغاز وضم البيشمركة إلى منظومة الدفاع الوطني وبالتالي شمولهم بالمخصصات المقرة من وزارة الدفاع وتسديد رواتب موظفي الإقليم وتحديد مفهوم العلاقة بين بغداد وأربيل.أما المكون السني فيطالب بإطلاق سراح المعتقلين الأبرياء وتحقيق مشاركة أكبر في الحكومة والمؤسسات الأمنية وتفويض أكبر للصلاحيات الممنوحة لمجالس المحافظات.
ومع أن هذه المطالب قد تشكل صلب الخلاف في العملية السياسية إلا أن جوهر المشكلة يكمن في انعدام الثقة بين جميع الأطراف. وإذا ما نظرنا إلى جميع هذه المطالب كسلة واحدة فإن الأمور قد تزداد تعقيداً لكن إذا تناولنا كل مطلب بمعزل عن الآخر يمكن أن نتقدم باتجاه حل يرضي الجميع ويمنح الطمأنينة لمكونات العملية السياسية.
فإقرار قانون النفط والغاز يمكن من خلال اعتماد مسودة القانون التي اتفق عليها الجانبان في وقت سابق لتقدم إلى البرلمان الحالي مع تحديد سقف زمني لذلك. أما ما يخض البيشمركة فالقتال المشترك بين القوات العراقية والكردية لاستعادة سد الموصل من داعش خير دليل على أن الدفاع يشمل الأكراد والعرب وبالتالي فإن البيشمركة جزء من القوات العراقية التي يجب أن تكون قيادتها مشتركة وعقيدتها عراقية خالصة لا تميل إلى فئة أو طائفة أو دين.
إن العمل على بناء العقيدة الوطنية للجيش العراقي ومن ضمنه البيشمركة سوف يحل الكثير من القضايا والمخاوف التي تنتاب كلاً من بغداد وأربيل.
أما ما يتعلق بقضية الرواتب والموازنة فتصدير النفط من إقليم كردستان وإن تم بعقود لم يطلع عليها المركز فإن عائدات تلك العقود ستوزع بين الطرفين بحسب الدستور مع ضرورة تشكيل مجلس أعلى للنفط يكون له دور فاعل في حسم القضايا العالقة بين الجانبين كتسديد مستحقات الشركات والعقود المستقبلية. وبالتالي فإن منح موظفي الإقليم لرواتبهم لا يتم على أساس أنهم أكراد فقط وإنما هم جزء من عملية التنمية وتطوير الاقتصاد في العراق الفيدرالي.
إن النظر إلى الازهار الحاصل في إقليم كردستان على أنه نتيجة عمل مشترك مع بغداد ووفق برنامج مشترك للتنمية سوف يحل الكثير من القضايا. وسيكون هذا الأمر منطلقاً جيداً لحل القضايا المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها. فكركوك يمكن أن تكون منطقة حرة للاستثمار يشارك ثرواتها الجميع من خلال صندوق أعلى للاستثمار توزع عائداته بحسب ما يتفق عليه البرلمان العراقي وبالتالي يكون للجميع حصة في البناء وجني العائدات.
إن النظرة الضيقة للمصالح والاستئثار بالسلطة سيكون حجر عثرة للجميع لذا فمن الأفضل أن ينظر إلى تلك المناطق على أساس وطني لتكون النتائج أفضل ويستغل الوقت في البناء والتطور.
وهذا الأمر ينطبق على المحافظات الغربية أيضاً فمنح المزيد من الصلاحيات الإدارية والمالية لمجالس المحافظات وخاصة في المناطق الغربية سيكون له أثر كبير في القضاء على الروتين وتسريع عملية إعادة الإعمار أضف إلى ذلك التخفيف من العبء القانوني والإداري لتلك المناطق. وهذا يشمل الجانب المتعلق بالملف الأمني الذي يشكل التنوع في إدارته على أساس العقيدة الوطنية حلاً للكثير من التعقيدات.
إن المفاوضات حول تشكيل الحكومة المقبلة لا يمنع من البدء في تطبيق بعض الخطوات اللازمة لإعادة الثقة بين جميع الأطراف. فمن غير المنطقي أن يبقى موظفو الإقليم من دون رواتب وأبناؤهم يقاتلون إرهابيي داعش جنباً إلى جنب في الموصل ومن غير المعقول أن تطالب العشائر في الرمادي والأنبار بالصمود أمام مجازر وفواحش داعش ولهم أقارب معتقلون في السجون. إذاً فالقضية تحتاج إلى قرارات شجاعة تشعر الطرف الآخر بأن الحكومة القادمة تنطلق من خطوات عملية نحو تحقيق مصالحة وطنية حقيقية وإنجاز برنامج عمل تنموي يشمل جميع الأطراف.
بالمقابل فالأطراف الأخرى مطالبة بإبداء المزيد من المرونة في التعامل مع التشكيلة الحكومية المقبلة وأن تتقبل ما يقدم إليها من ضمانات كدليل على صدق النوايا في التعامل. ولا يجوز أن يكون إلقاء المسؤوليات على جانب واحد في حين أن الجميع يعترفون بالتقصير.
إن قدرة السيد العبادي على اتخاذ قرارات شجاعة ومسؤولة سيكون لها دور كبير في إعادة الثقة إلى العملية السياسية. ومع أن معيار الكفاءة في اختيار الوزراء هو أساسي لإنجاح عمل وزارته وإخراج العراق من أزماته الحالية إلا أنه يجب أن يترافق مع خطوات عملية على الأرض لطمأنة المشاركين في برنامج عمله الحكومي.
إن الثقة التي فقدت في السنوات السابقة من عمر العراق يمكن استعادتها اليوم إذا كان هناك نظرة أشمل وأوسع لمشكلات العراق كوطن للجميع. لذا فإن البرنامج الوزاري القادم يجب أن يركز على الإعمار وتنويع مصادر الدخل خاصة وأن العراق يواجه حجماً هائلاً من التحديات الأمنية والاقتصادية.
صادق حسين الركابي

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *