عمارة زهاء الجديدة

عمارة زهاء الجديدة
آخر تحديث:

جاسم عاصي

إن قول المعمارية زهاء حديد: الأشكال وسائل لخلق تجارب حضارية جديدة…  يعني التأكيد على جدلية الفن عموما. فالأشكال هي الهيئات العامة التي يحتمي بها الإنسان، حيث تشكّل ملاذا  له، يؤدي من خلالها وظائفه في الوجود والحياة.  . ويعني ذاتيا (الشكل) بمعنى هناك شكلان؛ الأول المعتاد، مقابل المتغيّر لصالح الزمن، وعلاقته بالمستقبل. ومن هذا  ينبثق لدينا مفهوم التكيّف للزمن المتغيّر.  . وهكذا تتم الجدلية في وجود الشيء أو عدمه. ثم أنها تحدد وظيفة الشكل. وهي وظيفة تتبدل بتبدل الزمن، وتبدل قوانين الحياة ومنظومات الوجود. بمعنى آخر إن كل هذا مرتبط أصلا بمفهوم الزمان والمكان. وبهذا تحدد زهاء هذه الرؤية عبر نظرتها لجدلية وجود العمارة، وأدائها لوظائفها المتجددة أيضا. فالعمارة كنتاج لمجموعة مفاهيم، تتطلب أنماطا ومستويات من أسس الخلق والابتكار، لا بد من الوقوف عندها، ونحن نراقب عن بعد عمارة زهاء حديد  نجد أن المخيـّــــال كوحدة أساسية له وظيفة متميّزة في عمارة حديد. فالعمارة نص حضاري يتوجب أن يتكيف وفق الرؤى الجديدة المدفوعة بعوامل الحاجات المتجددة. أنت لا تخلق شيئا أو شكلا جديدا ومبتكرا دون أن تعرف الحاجة الخاصة والعامة. وكفنان لا بد من أن تدرس خاصية مفاهيم الناس، وطبيعة حاجتهم للحواضن المكانية وفق الرؤى الجديدة. لذا نرى أن زهاء حديد تتعامل مع العمارة من باب كوّنها نصا خاضعا لمستلزمات خلق النصوص بشكلها العام. وما تخطيطها للشكل افتراضا إلا خاضع لجلية وجود شيء المكان العمارة وأرى أنها تبذل جهدا استثنائيا في تشكيل هيئات عمارتها، ومن ثم دراسة الحاجات والممكنات المادية. ناهيك عن النظر إلى الشكل الذي تروم تشييده، لا بد أن يتوفر على نمط من شحذ الخيال عند النظر إليه. وهذا واضح جدا في الأشكال وتعددها وانسيابيتها، وما تفرزه من مواكبة تستقبل مثل هذه الأشكال ذات الأنساق غير السائدة. ولعل الانطباعات تتقاطع وتتباين، لكن في جملتها العامّة تصب في مجال الانبهار والتقبل المتصل بالرغبة في التصميم الذي يذهب بملكات الإنسان وتحريكها لتغدو مشاركة في تخييل الشكل سواء من الخارج أوالداخل. وهذا بطبيعة الحال مرتبط بالوظائف التي تلبي حاجات الجميع. إن كسر معمار الشكل عند المتلقي البصري فيه إشكالية كبيرة. غير أن طبيعة التصميم وجرأته الذاتية والموضوعية كفيلان بخلق حوار ذاتي وموضوعي في آن واحد. أي بين الجماعات والأفراد, وضمن دائرة الفرد الواحد. 
هذا ما يتركه نمط المخيّال عند المعماري والتخيّل عند المتلقي. بمعنى ان الشكل هنا محكوم بجدلية المخيال في كل مستوياته. إذ لا نرى  ثمة نشوء لشكل دون أفكار مسبقّة. فالشيء لاحق لجملة فعاليات ذهنية، يمكن أن نطلق عليها المستوى الشفاهي للنص. ذلك لأننا في حقل العمارة نتعامل مع شكل وبنية لنص فني، كان قد اجترح له مسارا مختلفا، خضع إلى الانثيال في طرح المعنى أكثر من اتباع أساليب معتادة أو مألوفة. فالتداعي المسبق، سمة ترافق خلق النص. وهذه البديهية قد لاتنطبق على عمارة  زهاء لأنها بطبيعتها خضعت لذهن معماري وعقل مخلّق. ينظر إلى الأشكال على أنها استجابات لحاجات، وإلى مكوّنها في كوّنها تؤدي وظيفة. ومن ثم تكون ذات توجه يثير الرائي. وهذا يقتضي تفعيل حضور العقل مواكبا للتخييل كما ذكرنا. فالنظرة الهندسية المجردة لا تعني شيئا، إذا ما رافقتها تشوفات ترتبط أساسا بالمغايرة. ولو راجعنا ما ابتكره العقل المعماري عند من سبقها كـ ( محمد مكية، خالد السلطاني، رفعت الجادرجي ) لاستوقفتنا اجتراحاتهم المهمة والمحفزة على التفكير والتأمل. لكن (زهاء حديد) تحاول التمرد على الأشكال، لكنها لا تفقد الأصالة في مجال الفكر، وهي تخطط لعمارتها، ثم وهي تشيّدها على الأرض. الفرق واضح في فيض بنية الخيال والتصوّر للمكان المشيّد والشاغل مستقبلا، ثم احتمال التصورات التي تبنى عليه عند الرائين. وقد لاحظنا أن جملة الاعتراضات من قبل المتخصصين كانت لا تحاول إلغاء الابتكار في عمارتها، بقدر ما تقدر هذا علميا وجماليا. أي أنها كنظرة نقدية تقف مع الابتكار، لكنها لا تلغي حساباته المعمارية الذاتية، التي نعني بها الأفكار الأساسية، التي هي أيديولوجيا العمارة ــ إن صح التعبيرــ وبطبيعة الحال تقودنا هذه الفعاليات العقلية والذهنية إلى جدلية رؤى فن العمارة من خلال النظر إلى التجربة المغايرة بوصفها فن الممكن، ورؤى المستقبل، لأنها طاردة للنمط. وهذا ما شجع المعمارية ــ كما أرى ــ وهي تواظب على ابتكارات عديدة منفذة أو غير منفذة. كما تكشف سيرتها المعمارية من إحصاء لشغيلة العمل في مؤسستها، ثم مشاريعها قيد التنفيذ في كل بقاع الأرض.
ما نتوصل إليه ونحن نراقب تجربة المعمارية، كونها لصيقة بأصالة فكرها. لا تغادر أولياته سواء كانت في حاضر المعمار، أو عمارة الأزمنة البعيدة عن زمننا. بمعنى يجد الرائي ظِلال ما تأثرت به  من خلال التشبث بالمخيال البدئي المقنن والمعقلن أكثر. فالانسيابية قد توفرت في العمارة التي كان الإنسان يشيّدها على هواه، خاضعا لحاجته، وجعلها مؤدية لوظيفتها. لكن جمالية الوظيفة عند زهاء أكثر خوضا في ما هو متصوّر . فإذا نظر البعض إلى أن عمارتها المفرطة في الخيال، فإنها تؤكد عبر الجمالية والأداء ملاذا لها للإصرار على تصديق وجهة نظرها المعمارية، لأنها تعتمد على فكر متحرك ونام ومبتكر  للأشكال.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *