قبو شاهق للفساد في بغداد

قبو شاهق للفساد في بغداد
آخر تحديث:

بقلم: كرم نعمة

هناك احتفاء سائد بين العراقيين مع اقتراب إكمال مبنى البنك المركزي العراقي الذي صممه مكتب المعمارية الراحلة زها حديد. ولا يمكن، وفق التقويم المفرط بالتفاؤل، أن نعزو هذا الاحتفاء إلى أهمية المبنى المعمارية ووظيفته، بقدر بحث العراقيين عن جائزة ترضية حيال الخسائر السياسية والتقسيمية والطائفية التي لحقت به. فزها واحدة من أكبر جوائز الترضية للعراقيين اليوم.على الجانب الآخر لم تتوفر لدى زها حديد أيّ مسحة حنين للبلاد التي غادرتها، كما لا يشكل العراق في ذاكرتها إلا مساحة ضئيلة لا تتعدى صورة نصب الحرية لجواد سليم وأيامها في مدرسة الراهبات.

عندما وقفت أمامها مصادفة في مطار هيثرو حدثتها بتلقائية عن التداعيات المتصاعدة عنها وعن أعمالها في الصحافة العربية، لكنها ردت بإنجليزية هادئة متأسفة بأنها لا ترى ذلك، الأمر الذي دفعني إلى إعادة قوس الكلام بإنجليزية عن قصيدة كتبها الشاعر كاظم الحجاج عنوانها “زها”، وفيما هي محاطة بعدة أفراد من فريق عملها، ابتسمت وأشعرتني بأنها لا تعرف ذلك!والحق هي لا تريد أن تعرف ذلك كما يتوق العراقيون. لكنها عندما وقّعت عقد تصميم مبنى البنك، وجدت لها الذريعة الجاهزة بقولها “لا يهم كم هي المدة التي تعيشها خارج بلدك فما زلت أشعر بأنني قريبة من العراق!”.

بينما البنك المركزي العراقي أضحى في الثقافة الاجتماعية والسياسية الممثل الأكبر للفساد، أو وفق تعبير الصحافي روبيرت وورث “نظام الصرف الصحي للفساد العراقي” لكن قلما كُتب عن آليات عمله الداخلية.ذلك ما سترتبط به لمسة المعمارية البارعة زها حديد، باعتبار أن المبنى الجديد برج شاهق من 170 مترا للفساد، لكنها كما ظهر لنا من قبل غير مهتمة أن يفقد هذا المبنى جماليته المعمارية لحساب سمعته الفاسدة، فقد سوّغت من قبل تلك المعضلة الأخلاقية في تصميمها مركز حيدر علييف الذي يمثل مع ابنه إلهام الرئيس الأذري الحالي، اثنين من كبار السياسيين الفاسدين في العالم، بأنها لا تصمم للأشخاص وإنما للمكان!

مهما يكن من أمر، فإن الخدمة والوظيفة والجمالية التي يقدمها المبنى الجديد للبنك المركزي العراقي للبيئة المعمارية العراقية، ضائعة إن لم تكن شاذة ولا تنسجم مع المحيط، وخارج الإحساس بالمكان. ولا يكتفي بأنه سيكون الرمز الشاهق للفساد في زمن شاذ من تاريخ العراق، بل سيكون بمثابة قبو ملحي غريب على نهر دجلة، لا يأخذ بنظر الاعتبار الذائقة البصرية، ولا يبالي وسط غرور الارتفاع بالحس المعماري الذي تركه المعماري الإيطالي جيو بونتي على مسافة قريبة منه في مبنى وزارة التخطيط كسفينة هادئة في دجلة. كما سيطغى برج البنك المركزي على مبنى جامعة بغداد بجواره كأحد أبنية الحداثة وأكثرها تكاملية في العالم التي تركها المعماري الألماني والتر غروبيوس. وحتى برج الجامعة الذي فرضه الزعيم عبدالكريم قاسم على غروبيوس كتأثير سياسي خارج وظيفة معمار الجامعة، سيكون ضئيلا أمام انتصاب مبنى البنك.

ليس ذلك وحده، فعندما أنجزت زها حديد تصميما لمبنى البرلمان العراقي الجديد لم تكن تعنيها الفوضى التي يعيشها هذا البلد أو حتى البرلمان نفسه، ولم يدر في ذهنها أن غالبية العراقيين ينظرون إلى “برلمانهم” بأنه جمع للصوص الدولة من أحزاب طائفية فاسدة.كما لم يكن تصميم زها حديد المسمى “الجبال المتآكلة” لمبنى البرلمان العراقي الأفضل في المسابقة التي خصصت له بين مجموعة من الشركات المعمارية، لأنه حصل على الترتيب الثالث، فيما حصلت شركة “أسيمبليدج” على الترتيب الأول، لكن اللجنة المشرفة غيّرت قواعد المسابقة ليقع الاختيار في التنفيذ على تصميم زها بغض النظر عن ترتيبه في منح الجائزة!

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *