قراءة في كتاب “الخيارات الصعبة” لهيلاري كلينتون

قراءة في كتاب “الخيارات الصعبة” لهيلاري كلينتون
آخر تحديث:

بغداد/شبكة أخبار العراق- قراءة مذكرات وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون «الخيارات الصعبة»، تجعلنا نجزم بأن ما روَّجه بعض الجهات وبعض المؤسسات الإعلامية، ومنه القول بأنها فضحت مسؤولية الولايات المتحدة الأميركية عن إنشاء تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، لا وجود له في الكتاب.ومن الواضح أن من روَّج لهذه الإشاعات وغيرها لم يقرأ الكتاب المكون من 600 صفحة، ومع أن الكتاب لا يكشف جديدًا إلا أنه عملية توثيق مهمة جدًا لأربع سنوات من الدبلوماسية الأميركية 2009-2013 في فترة من أهم فترات التاريخ العربي شهدت -ولا تزال- عمليات التحول الكبرى في العالم العربي، وستترك بصماتها ليس على الحيز العربي، وإنما على الحيز العالمي ككل.عين على الماضي وأخرى على البيت الأبيض ،دَرَج كل القادة الأميركيين على كتابة مذكراتهم حال خروجهم من مناصبهم، وهو تقليد لم تشذَّ عنه كلينتون (66 عامًا)، لكن وبغضِّ النظر عن هذا التقليد فقد أمَّلَتْ كلينتون على ما يبدو من خلاله أن يكون تدشينًا لحملتها الانتخابية الرئاسية المتوقع أن تخوضها في 2016، بعد أن خرجت من حلبة المنافسة الرئاسية أمام أوباما 2008 بالتوصل لصفقة تُمنح بموجبها وزارة الخارجية مقابل الانسحاب من المنافسة. حين تُسأل عن نيتها دخول انتخابات الرئاسة المقبلة تقول بالكتاب: «لم أقرر بعد»، وفيما إذا قررت إيجابيًا فستكون أول سيدة أميركية تحكم البيت الأبيض.ما يُرجح عزم كلينتون الترشح للرئاسة سعيها في الكتاب إلى النأي بالنفس عما جرى بمصر وتداعياته لاحقًا؛ إذ إنها مع الجيل التقليدي للمسؤولين الأميركيين الذين كانوا يحضون أوباما -كما ذكرت- على «الانتقال المنتظم» للسلطة في مصر وعدم التسرع بالتخلي عن مبارك، ولكن أوباما انحاز إلى جيل الشباب في التغيير السريع.قد يكون ما كتبته عن سوريا يعزز هذا الرأي؛ إذ تكتب -ومن بعدها أيدها وزير الدفاع ومدير المخابرات المركزية الأميركية السابق ليون بانيتا في كتابه «حروب جديرة»- أن المذكرة التي تقدم بها مدير المخابرات المركزية الجنرال ديفيد بترايوس 2012 الحاضَّة على تدريب المعارضة السورية المسلحة وتسليحها قد دعمها الاثنان، بينما عارضها أوباما، لكن التفسير الذي قد يكون منطقيًا وراء تحاشيها الكشف عن أسرار كبيرة هو عزمها العودة إلى البيت الأبيض.في الفصول الأولى من الكتاب تتحدث كلينتون عن دخولها الانتخابات ثم اختيارها كوزيرة للخارجية وديونها المتراكمة ثم تسويتها مقابل الخطابات التي كانت تلقيها وتتقاضى عليها مبالغ ضخمة، لتنتقل بعد ذلك إلى أهمية القوة الناعمة في التغيير، ومحورية آسيا في السياسة الأميركية العالمية، وأهمية الصين والخلاف التجاري والسياسي معها، وتحديدًا فيما يتعلق ببحر الصين. وجاء ذلك كله قبل أن يستدير أوباما مجددًا ويعود إلى المنطقة العربية التي قرر الانسحاب منها في العراق، ومهَّد لها بخطابه الشهير في القاهرة، لكن الربيع العربي وأحداث العراق والشام تحديدًا أرغمته على العودة.تواصل كلينتون الحديث هنا عن سيدة المعارضة البورمية وكيف بدأت كيمياء العلاقة بين الأخيرة والضباط البورميين الرافضين للتغيير، وهنا يظهر جدية ومثابرة الأميركيين في الضغط على خصوم الديمقراطية البورمية وإرغام العسكر على الرضوخ للمعارضة، بينما لا نجد شيئًا من هذا كله في الربيع العربي الذي غسل الأميركيون أيديهم بعد سنة تقريبًا على فوز مرسي بتحميله وحكومته كل أوزار مصر والمنطقة ونفس الشيء ينطبق على دول الربيع العربي الأخرى.وحين تتحول كلينتون إلى باكستان وأفغانستان تُحمِّل ضباطًا في الاستخبارات الباكستانية مسؤولية ما يجري في أفغانستان وتخريب الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، دون أن تحمِّل نفسها أو إدارتها مسؤولية خديعة المخابرات الباكستانية وعدم ثقتها بها وقتل أسامة بن لادن الذي تمر عليه مرور الكرام دون كشف لملابساته إلا ما بات معروفًا للعامة، وهنا تظهر تمامًا الرغبة الأميركية بالتعامل مع العسكر والاستخبارات فهي الطريق المختصر للوصول إلى الغايات الأميركية دون المرور إلى المؤسسات الديمقراطية المكلفة بالنسبة لهم.تسرح كلينتون في الكتاب بشؤون أوربا وروسيا ناعتة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالطاغية والسفاح، ومعرِّجة على دول إفريقيا وأميركا اللاتينية وهي التي كانت من ضمن 112 دولة زارتها كلينتون قاطعة مسافة بلغت مليون ميل خلال تسنُّمها رئاسة الدبلوماسية الأميركية، وهو حديث من أجل تحميله تقاعس أو خذلان الأميركيين لشعوب ودول مثل سوريا وأوكرانيا وغيرهما.في الفصل الخامس تصل كلينتون إلى ما يهمنا كعالم عربي وتطلق عليه صفة «الغليان»، وربما هي استعارة لكتاب أستاذها وسلفها كيسنجر «سنوات الغليان» فتصف خطواتها فيه بـ»الطريق الصعب إلى السلام»، وحين تصل كلينتون إلى قصة أسطول الحرية ومهاجمته من قبل إسرائيل تقول التقيت وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو والذي كان بلده الشريك الوحيد لإسرائيل في المنطقة؛ فقد بدا عاطفيًّا جدًّا إزاء ما جرى من قتل الأتراك وشبَّه لي ما جرى للسفينة بأحداث 11 سبتمبر/أيلول، وهدد أوغلو حينها بإعلان الحرب على إسرائيل، لكن سعيت إلى تهدئته.وحين تصل كلينتون للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، تقول: أبلغت الرئيس محمود عباس تفهمي لانزعاجه الكبير من التصرف الإسرائيلي بعدم التقدم على صعيد المحادثات؛ حيث خيَّر عباس نتنياهو «إما التسوية وإما الاستيطان»، لكن نتنياهو أخبرني -كما تقول كلينتون- بأن على الفلسطينيين ألا يلعبوا لعبة حافة الهاوية، مشيرًا بذلك إلى تهديد الفلسطينيين بالتوجه إلى الأمم المتحدة لانتزاع اعتراف بدولة فلسطينية.وهنا يبرز القديم/الجديد في السياسة الأميركية إزاء فلسطين والصراع العربي-الإسرائيلي وهو التفاوض من أجل التفاوض، ضمن عملية سياسية لا سقف لها ولا أمد، فطبخ الحصى يتواصل دون أن تلزم الإدارة الأميركية نفسها بشيء، بينما على الأرض يقتات الاستيطان على ما تبقى من الأرض الفلسطينية التي من المفترض أن يتم التفاوض عليها.وتركز رئيسة الدبلوماسية الأميركية في كتابها على ما تصفه بالمشهد الاستراتيجي غير المتنبأ به إثر سقوط الرئيس حسني مبارك، وتنقل هنا عمن وصفته بصديقها إسحاق رابين عبارته: «السلام الأبرد أفضل من الحرب الأسخن». وتَلِج كلينتون بعد هذا إلى دول الربيع العربي فتصف الربيع بـ «الثورة»، وتسعى إلى التأكيد على أنها كانت تشدِّد على ضرورة الإصلاحات وتذكِّر بخطاب وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس في القاهرة 2005 حين اعترفت: لنصف قرن «فضَّلت أميركا الاستقرار على حساب الديمقراطية».تستحضر كلينتون ردة فعل الرئيس اليمني علي عبد الله صالح حين كانت تضغط عليه بخصوص حقوق الإنسان وإجراء الإصلاحات الاقتصادية لكنه كان مشغولاً بعرضه عليها بنادق قديمة بعضها هدايا من قائد حرب الخليج الأولى الجنرال نورمان تشوارزكوف، مشدِّدًا (أي: صالح) أن عليَّ أن أرى صنعاء القديمة، في محاولة لحرف الموضوع،وحين تصل كلينتون إلى الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك تصفه بأنه حكم البلاد لثلاثة عقود كفرعون وبسلطات مطلقة، وتضيف: إن مصر التي وصفها المؤرخون بـ»سلة غذاء، أصبحت أكبر مستورد للقمح في العالم، فضلاً عن إدارة سيئة للاقتصاد وسجل سيء في مجال حقوق الإنسان وانتهاك للحريات الأساسية»،وتقدم كلينتون في هذا الفصل انتقادات الإدارات الأميركية السابقة للرئيس الليبي المخلوع معمر القذافي؛ حيث تقول: إن مجلة النيوزويك وصفته عام 1981 بـ»أخطر شخصية في الشرق الأوسط»، ووصفه الرئيس الأميركي رونالد ريغان بـ»الكلب الضال في الشرق الأوسط»، وحين تصل كلينتون للحديث عن تعاونها وتنسيقها مع جامعة الدول العربية بشأن ليبيا للإطاحة بالقذافي عقب ثورة فبراير/شباط 2011 تصف وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد بالشخصية القوية من خلف ستار في الجامعة العربية، وتعبِّر عن دهشتها حين استمعت له وهو يوافق على السماح للطائرات الأميركية بقصف مواقع القذافي، وتزيح الستار عن جدل بشأن ما تُردده روسيا عن خديعتها من قبل أميركا وحلفائها في تمرير قرار مجلس الأمن الدولي الذي استُخدم لاحقًا كمبرر لإسقاط القذافي، ومخاوف روسيا غير المبررة من تكرار ذلك؛ فتقول كلينتون: «إن لافروف كان ممثلاً لبلاده في الأمم المتحدة لفترة طويلة وهو يعرف تمامًا ماذا يعنيه اتخاذ كل الإجراءات الضرورية في قرارات مجلس الأمن».وفي إشارة إلى متانة علاقتها مع وزير خارجية الإمارات تذكر أن أول من اتصلت به لمعرفة حقيقة التحركات العسكرية لمجلس التعاون الخليجي لدعم البحرين كان عبد الله بن زايد الذي هدَّد لاحقًا بالانسحاب من عمليات ليبيا إن انتقدت أميركا تحركاتهم العسكرية بالبحرين.اللافت أن كلينتون تذكر أنها حذرت حكام الشرق الأوسط إن لم يبدؤوا بالإصلاحات فإنهم سيغرقون في الرمال، لكن الظاهر أن كلينتون وغيرها من المسؤولين الأميركيين أخطأوا العنوان فدول الرمال لم تتعرض لثورات بينما كان المفترض أن تُحذر الدول التي كانت أميركا منشغلة معها على مدى أكثر من نصف قرن بتحقيق سلام سرابي. 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *