مثقفو الحداثة

مثقفو الحداثة
آخر تحديث:

 بغداد/شبكة أخبار العراق- د. كريم شغيدل..من مهام المثقف كما يقول علي حرب: ” ترجمة الواقع إلى إشكاليات فكرية أو صوغ العلاقة بالعالم صياغة مفهومية، على نحو يمكن استثماره، سياسياً وعملياً، في عقلنة السلطات والقرارات والممارسات، أو في صناعة الأحداث والتعامل الفعال مع الوقائع” لذلك لا نستغرب عملية تهميش المشروع النقدي لـ(علي الوردي) وإقصائه من دائرة الفعل الثقافي، ليس بفعل مباشر من سلطة، بل بفعل سلطة الخطاب المتمركزة حول ذات متشعرنة-كما يقول الغذامي- لا يمكن زعزعة وجودها اللفظي، بل إنَّ المصدّات الدفاعية قد حولت المشروع النقدي إلى مجرد أمثولات شعبية سائرة على لسان العامة .
حارس الأفكار
 وقد نال الإقصاء مشاريع فكرية أخرى كمشروعي هادي العلوي وعزيز السيد جاسم ” فالثقافة نظام دلالي لابد أن يقوم على الاستبعاد والاستقطاب، ولا يقبل إلا ما ينصاع إلى النظام الدلالي مهما حاول تحليل الثقافة أن يفند الثقافة ويبين عيوبها” كما جاء في معجم المصطلحات الأدبية، وإذ بقي مثقف الحداثة(حارساً للافكار)-على حد تعبير علي حرب- بقي المشروع منقسماً بين اجترار الموروث وإعادة صياغة الرؤى الغربية، ولم ينتج خطاباً مفهومياً لفهم الثقافة وإشكالياتها وأسئلتها، لأنه-أي المشروع- لم يعِ ابتداءً إشكاليات الواقع بإزاء التحولات، ما لم نقل إنه تماهى مع حداثة العسكر، التي قادت التحولات السياسية لكونها القوة الوحيدة في ظل غياب القوى الاجتماعية والثقافية التي يمكن أن تصنع الثورة بمفهومها الإنساني الشامل، وليس بالمفهوم الانقلابي وصراع الفئات السياسية، ومن ثمَّ التماهي مع الدور الثنائي أو الازدواجي الذي لعبت عليه البرجوازية العربية عموماً ” فهي تلعب ورقة الحداثة في القطاع التقني، وورقة التقليد في المجال الثقافي، والهدف الوحيد لذلك هو بقاء سيطرتها على الجماهير” كما يذكر هشام جعيط، لكن بالنتيجة النهائية.
 يسجل مشروع الحداثة العربية تراجعاً شاملاً على مستوى بناء الدولة والمجتمع والأسس المعرفية والتقنية والاقتصادية، ليظلَّ شاعر(الحداثة) لاهثاً وراء تقليعات شكلية وحفريات لفظية، راسماً
لذاته المتضخمة مملكة وهمية من النصوص التي لا تحرك ساكناً من واقعه التقليدي الهزائمي الذي يضطره إلى الارتماء: أمّا في أحضان القبلية الحزبية أو الطائفية الأيديولوجية واحتواءات المؤسسة السلطوية، أو الهرب بعيداً إلى المنافي حيث الحياة الحداثية ونصوص الحنين الوطني بفجاجتها
وتقليديتها.
الثقافة..صناعة الحياة
إنَّ فكرة (الثقافة) ثمرة من ثمار عصر النهضة الأوروبية، وما كنّا نلتفت بنظرة جديدة إلى هذه الكلمة بعد أن كانت كلمة عادية كغيرها، لولا تعرفنا عليها بكونها مفهوماً مستقلاً ولما تولّد عندنا الحافز للتعامل مع هذا المفهوم الذي جاءنا مصقولاً ومشبعاً بالبحث، الأمر الذي جعل غالبية الدارسين العرب يكتفون بتقريب معنى اللفظ العربي للمصطلح الغربي، فالبعض يرى أنه يرتد” بالعربية إلى المصدر ثـَقـَفَ وهو يحمل معاني التحويل والاصلاح والتهذيب، وهذا يجعله قريباً من المعنى الأصلي للكلمة (culture) اللاتينية” كما ذهب معن زيادة، بينما يذهب(مالك بن نبي) إلى الجانب القيمي في تعريفه فتصبح ” مجموعة من الصفات الخلقية، والقيم الاجتماعية التي تؤثر في الفرد منذ ولادته، وتصبح لا شعورياً العلاقة التي تربط سلوكه بأسلوب الحياة في الوسط الذي ولد فيه”، ويرمي ابن نبي من وراء هذا التعريف إلى صياغة علاقة تربوية لضم العناصر الاجتماعية والنفسية، فهي كما يقول لا تكفي أن تكون مجموعة من الأفكار والأشياء على الطريقة الأميركية أو انعكاسا للمجتمع على الطريقة الماركسية، وفي الإطار الإسلامي تشمل الثقافة عند (علي عزت بيجوفيتش)” الشعور بالأبدي بالاختيار والتعبير عن هوية الإنسان، وهذا الرأي يطابق رؤيته عن الدين” وهي عنده ذات طبيعة دينية، تماماً كما هي عند (ت.س.إليوت) الذي يرى أنه” لم تظهر ثقافة ولا نمت إلا بجانب
دين. ومن هنا تبدو الثقافة نتيجة من نتائج الدين، أو الدين نتيجة من نتائج الثقافة” ويرى بعض الدارسين أنَّ الثقافة من مكتشفات الأنثروبولوجيا وذلك من خلال العودة إلى العقل البدائي والمجتمعات البدائية كما يورد زكي
 الميلاد.
فالبعض يؤرخ لمفهوم الثقافة استناداً لكتاب تايلور(الثقافة البدائية) الصادر العام 1871 الذي ارتبط عنده مفهوم الثقافة بمفهوم المجتمع، وقد عرّف الثقافة على أنها ” الكل المركب الذي يشمل المعرفة والعقائد والفن والأخلاق والقانون، وكل القدرات والعادات الأخرى، التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضواً في المجتمع” كما أشار زكي الميلاد، وهناك من يعدُّ هذا التعريف مختصراً لتاريخ الثقافة، وتتراوح نظرة الدارسين العرب بين العمومية والاختزال فالثقافة عند(علي حرب) “بمعناها الأشمل، هي صناعة
الحياة.
 والاشتغال على الطبيعة، وشكل من أشكال التواصل والتبادل” بينما عند(حسين مؤنس) تصبح مفهوماً عائماً: فمرةً تعني الأدب والشعر وأخرى ” هي ثمرة كل نشاط إنساني محلي نابع عن البيئة ومعبر عنها أو مواصل لتقاليدها في هذا الميدان أو ذاك”، في حين يجد هادي العلوي”أنَّ الشعر لا يتصنف ضمن الثقافة إلا على سبيل المجاز أو التعميم…
 فهو عنده من عمل الذهن لا من عمل العقل وهو ثقافة سلطة، بينما الثقافة التي يمثلها الفقهاء والمتكلمون والمتصوفة فيما بعد هي الثقافة الحقيقية  المعارضة.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *