محاولة في كتابة قصيدة ناجحة

محاولة في كتابة قصيدة ناجحة
آخر تحديث:

طالب عبد العزيز 

لا أحد سيذكرني بسوءٍ إذا مت، أعرف ذلك جيداً، فقد عشت حياة مختلفة، سالمت فيها الكثيرين، وصفحت عن أشدِّهم إيلاماً، ورفقت بأبشع الحيوانات منظراً، مثلما جلست تحت أجمل الشرفات، وأنعمت النظر بأنقى أنواع الكؤوس، ممتلئة وفارغة.شاهدت مئات الأفلام التي تدخل السرور على النفس، وقرأت مئات الكتب، ودونت مئات الملاحظات، ما اطلع عليها وما لم يطلع عليها أحد، وأجدني على لا أهمية لذلك كله، أهل القرية يلاحظونني وأنا أدفع عربة بعجلة واحدة، أحمل ما أشذّبه من الغصون، او محملاً بأكياس الخضار والفاكهة من البقال، بقميص أصفر عتيق، وبنعل من الجلد رخيص، أصافح بعضهم، وأتردد في تعريف الامكنة، حتى لكأنني ما ولدت هنا قبل ستة عقود ونصف. يقول بعضهم بأنه شاهدني في التلفزيون، وأنا أتحدث عن النهر قرب بيتي، وعن النخل تسقطه الجرّافات، وعن البلابل تغادر ابا الخصيب الى عبادان، وعن السلاحف تهرب من الماء المالح الى الشط الكبير، وعن الاسيجة السعف، كانت تتهدل عليها أفلاك العنب والرمان، وعن الناس، تصادفهم على الطرقات المتربة فيستوقفونك محبة وتحايا، وعن المرأة تحدثك من نصف باب واربته الايام والليالي.. فأقول نعم؛ لكنَّ كثيرين غيري تحدثوا ايضاً، وأسهبوا في القول والوصف والمناجاة، لذا، فالأمر ليس مهماً، وهو ما يحدث دائماً عبر الازمنة في المدن المتغيرة. لكنَّ أحدهم سألني ما إذا كنت شاعراً؟ فقلت: لا، ولا ينبغي لي ذلك، فالشعر قضية صعبة تستوجب التضحية، وما انا كذلك، أنا استمتع بجلب الخبز واللحم والخضار على دراجتي الهوائية حسب.صوت الرِّيح بين الأشجار في غابة النخل ليس هو ذاك الذي يعبر الرمل محترقاً، فتتوهج فيه الظهيرة. ضوء النجوم وشكل القمر بين الأشجار مختلف عن شكله هناك، قرب أجمة الدفلى، حيث أجلس باحثاً عن مادة أخرى للأمل، فما البحر البعيد إلا ما يتشكل في سلة بائع الاسماك، عند ناصية الشارع، تعيد خلقه زفرة الخياشيم ورائحة القواقع غير المنفلقة، الزعنفة العريضة في بدن الهامور تحدثك عن الموج، الذي كانت تشقه الى الجرف، وكفُّ السمّاك ترتعد مثل صدفةٍ، لحظة يتسلم النقود منك، وما القارب الذي حملني الى هنا بأحسن حال منّي الآن، فقد ران الصدأ على مساميره، وأسقط الدهر عظيم أخشابه. هذه المدينة لا تنفك تريدني صندوقاً لأسرارها، وأنا رجلٌ عابرٌ، لا أحفظ إلا القليل من أسماءِ أنهارها، ولا أتذكر من الالوان إلا ما كان عليّ من الاطمار القصيرة البالية، صنيعة خيّاط تقاذفته يدُ الدهر، ولم يعد…  قرأتُ قراطيس رابعة البصرية، ومالك بن دينار، وابراهيم بن أدهم باكراً.. لكنني، نسيت جلَّ ما أوصاني أبي به.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *