مقاربة بين مشروعين

مقاربة بين مشروعين
آخر تحديث:

بقلم: أحمد صبري

قد كان رد عبد الناصر على الانقلاب على الوحدة ردا بليغا ومسؤولا برفضه التدخل لوأده، وإعادة الوحدة بالقوة العسكرية، تاركا هذا القرار للشعب السوري الذي قال هو من يقرر مصير الوحدة وليس مجموعة من الضباط المغامرين.
أكثر من ستة عقود مضت على إعلان الجمهورية العربية المتحدة في وحدة جمعت مصر وسوريا عام 1958 وكانت إيذانا بعصر ومرحلة جديدة في مسار العمل الوحدوي في ذلك الوقت.
وعلى الرغم من انفراط عقد الوحدة بعد حين، إلا أنها كانت وما زالت أملا يسعى لها الوحدويون؛ باعتبارها خلاص الأمة من التشظي والفرقة ومواجهة التحديات. وعندما نستذكر تاريخ قيام أول وحدة في التاريخ العربي المعاصر بين مصر وسوريا، فإننا نستعيد ما أحدثته هذه التجربة الوحدوية من حالة نهوض شعبي على صعيد النضال من أجل الوحدة وتحصينها من التأثيرات الخارجية. فالوحدة رغم تراجع المطالبة بتحقيقها في مواجهة الأحلاف والتكتلات السياسية والاقتصادية في العالم، إلا أنها ستبقى الضمانة التي تحصِّن الأمة من محاولات التجزئة والتشطير.
ورغم الأخطاء التي رافقت مشروع وحدة مصر وسوريا وحجم التآمر الخارجي على هذا المشروع لوأده؛ استشعارا من مخاطره على المصالح الاستعمارية وقاعدته إسرائيل، إلا أنها كانت إيذانا ببدء مرحلة نهضوية رفعت من منسوب النضال الشعبي في عدة أقطار عربية حققت في ساحاتها نتائج على الأرض سعيا للالتحاق بالمشروع الوحدوي الواعد.
فالوحدة العربية ستبقى أملا وهدفها مشروعا للرد على محاولات التقسيم والتجزئة، التي عانت وما زالت أقطار الأمة من ويلاتها وتبعاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
فبعد مرحلة انفراط عقد الوحدة بين مصر وسوريا، شهدت المنطقة قيام ثورات في اليمن والعراق وليبيا والسودان وسوريا ومناطق أخرى كردٍّ على وأد مشروع الوحدة والتمسك به كخيار لمواجهة حالة الانكسار وخيبة الأمل.
وجرت محاولات لإعادة مشروع الوحدة من جديد بين مصر وعدة أقطار عربية، إلا أنها تعثرت رغم الإعلان عن اتفاقات وحدوية بين مصر وليبيا والعراق وسوريا واليمن والسودان، غير أنها لن تصل إلى مرحلة التكامل الوحدوي جراء الظروف الإقليمية والدولية التي أحاطت بتلك المشاريع.
وعندما نتوقف عند قيام الجمهورية العربية المتحدة، فإننا نستذكر الدور الطليعي الذي نهض به رائد الوحدة ومحرك جماهيرها الزعيم الخالد جمال عبد الناصر في تحقيق حلم الجماهير بالوحدة والعدالة الاجتماعية، ومحاربة الفساد وصولا لبناء مشروع النهضة العربية.
لقد كان رد عبد الناصر على الانقلاب على الوحدة ردا بليغا ومسؤولا برفضه التدخل لوأده، وإعادة الوحدة بالقوة العسكرية، تاركا هذا القرار للشعب السوري الذي قال هو من يقرر مصير الوحدة وليس مجموعة من الضباط المغامرين.
وبعد مرور أكثر من ستة عقود على وحدة مصر وسوريا وكبوة هذا المشروع الوحدوي في الثامن والعشرين من سبتمبر ـ أيلول عام 1961 ورحيل رائده جمال عبد الناصر بعد عقد من وقوع الانفصال، فإن حال الأمة ومشروعها في خطر لتغول الساعين لوأده؛ جراء غياب مصر والعراق وسوريا الثالوث الذي كان صمام الأمان لوحدة العرب بعد تراجع دوره بفعل الاحتلال كما جرى للعراق.
وما يتداول حاليا حول صيغة لتحالف إقليمي أو ناتو عربي مهما كان تسويقه فإنه لن يكون بديلا لمشروع الوحدة؛ لأن المشروعين يتقاطعان من حيث النيات والأهداف والمبررات. فالوحدة التي انطلق قطارها بإعلان الجمهورية العربية المتحدة بوحدة مصر وسوريا ستبقى حلما وضمانة للعرب في مواجهة التحديات، في حين سيبقى المشروع الثاني قاصرا ووليد مرحلة لا تلبي تطلعات الوحدويين، وتتداخل فيه عوامل المصلحة والنفوذ والتفرد باتخاذ القرارات، وبالتالي لا يضيف قوة ومنعة واستمرارية لبقائه حيًّا.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *