هل يصلح الحل الليبي للعراق؟

هل يصلح الحل الليبي للعراق؟
آخر تحديث:

بقلم:ابراهيم الزبيدي

حين يلتقي متشائم ليبي متشكك في قدرة الحكومة الجديدة على تنفيذ وعودها، مع عراقي مطلع بعمق على تفاصيل مآزق بلاده ومتضرر من فساد حكوماتها الفاسدة الفاشلة التي أرسى جذورها وسنّ وقوانينها الحاكم الأمريكي، بول بريمر، تبرز مسائل عديدة تحمل المواطن العراقي على أن يحسد أخاه الليبي على نعمٍ كثيرة أنعم الله بها عليه، ثم لا يكون عليها من الشاكرين.

أولها أن ليبيا لا تجاور إيران ولا تركيا ولا سوريا.

وثانيها أن الشعب الليبي ملة واحدة، وطائفة واحدة، ومذهب واحد، رغم وجود أقلية عرقية غير كبيرة، وغير قادرة على أن تكون الجزءَ المعطل والمعرقل لمسيرة لمّ الشمل، كما هي الحال في العراق اليوم.

وثالثها أن تعداد الشعب الليبي يتجاوز بقليل سبعة ملايين، مع سعة أرض هائلة، وموارد وثروات لا تكفي لإعمار الوطن من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، فقط، بل تجعل المواطن الليبي أغنى أغنياء العالم، والأكثرَ قدرة على أن يلعب دورا فاعلا واسعا وعميقا في رسم السياسة الإقليمية، ويساهم في تقرير السياسة الدولية المتعلقة بالمنطقة بأضعاف ما فعلته قطر الصغيرة، مثلا، في بلاد الله.

ورابعها وأهمها أن الأغلبية من الليبيين أميَلُ إلى الدولة المدنية التي تفصل الدين عن الدولة، ولكنها، في الوقت نفسه، تحترم الدين، وتحرص على حرية رجاله في الوعظ والإرشاد وإقامة الطقوس. ويشهد تاريخ الشعب الليبي، منذ أيام الانعتاق من الاحتلال الإيطالي، على أن دور رجل الدين الليبي لم يكن ليتعدى المسجد أو الزاوية بكثير.

وخامسها أن جميع التقلبات التي شهدتها ليبيا لم تستطع أن تمنع بقاءَ جيش وطني ليبي مهني، رغم قلة عديدِهِ وسلاحه وتجاربه القتالية. فلم يفعل الجنرال خليفة حفتر، رغم تضارب الآراء فيه وتعدد الأحكام عليه، أكثر من أن يستنهض همم العسكريين الذين ما يزالون يحترمون التقاليد العسكرية ويرفضون هيمنة سلاح المليشيات على مقدرات الوطن والمواطن، ويدعوهم إلى التوحد تحت قيادته، ليصبح قائدا لقوة ضاربة فاعلة تَحسب دول العالم والأممُ المتحدة حسابَه عند البحث عن أي حل. وهو ما كان. فلم يكن ممكنا، بدون موافقته ومباركته ومشاركته، الوصولُ مع حكومة طرابلس والمليشيات الإسلامية ومجاميع المرتزقة الوافدة من خارج الوطن إلى الحل السلمي الذي أنتج الحكومة المؤقتة المكلفة بخلق الظروف الملائمة لإجراء انتخابات نزيهة، قدر الإمكان، في كانون الأول/ ديسمبر القادم، وهو ما لا يمكن حدوثُه في العراق، بعد أن أصبحت المليشيات هي وحدها الحاكمة والمحتكِرة للقوة السلاحية والتمويلية المسيطرة على الحكومة والقضاء، مع الاعتراف بأن الجيش العراقي، منذ تأسيسه بعد الغزو الأمريكي للعراق في 2003 هو أضعف الشركاء في العملية السياسية، منذ أن تقصد الإيرانيون ووكلاؤهم الشيعة العراقيون وحلفاؤهم الكُرد تشكيله بدمج فصائل من مليشياتهم وأحزابهم فيه.

والسادس أن ليبيا ليس فيها أحزاب عنصرية كانت منذ ولادتها، قبل عشرات السنين، تضع سلاحها ومقاتليها تحت إمرة كل دولة معادية لوطنها، خصوصا بعد أن تعمد الأمريكيون في أعقاب احتلال الكويت 1990 أن يمنحوا هذه الأحزاب جيباً مستقلا عن الوطن أرادوه أن يكون سكينا في خاصرة الشعب العراقي تمنع أية محاولة أو أي تفكير بتوحيد الشمل وحقن الدماء وتمكين الدولة العراقية من استعادة وحدتها وكرامتها وهيبتها، بأي ثمن حتى لو كان بحارا من دماء.

والسابع والأخير أن مصر وتونس والجزائر، إلى حد بعيد، لم تلوث أيدي جنودها وضباطها بدماء الليبين، كما فعلت إيران وتركيا بالعراقيين، ولم تعمد إلى استخدام الرشوة والتجسس والتآمر من أجل بقاء العراق، إلى أبعد زمن ممكن، ممزقا ومتخلفا ومفلسا، وموضوعا في آخر قوائم الدول الفاشلة في العالم، خوفا من قيام عراق موحد وقوي وغني ومهيب.

نعم، هناك قوى خارجية خلقت المشكلة الليبية يوم السابع عشر من شباط/ فبراير 2011، وظلت تصب زيوتها على نيران الحروب الأهلية فيها طيلة السنوات العشر المُرّة الماضية. ولكنها هي نفسها التي عملت على تشجيع الأطراف الفاعلة الليبية، أو على إجبارها، بعبارة أصح، على إنهاء الاقتتال والفوضى والخراب، وإعادة إعمار ما خربته الجيوش والمليشيات، بعد أن وجدت أن مصالحها مع السلام الليبي وليس مع الاقتتال.

أما العراق فله جارة واحدة تمكنت من أن تتغلغل في جميع شرايين الدولة وأوردتها ومفاصلها، وأن تصبح هي الحاكمة الفعلية فيه، دون شريك.

أما أكبر الفروق العجيبة الغريبة فهو أن أمريكا في ليبيا لم تأمر بالحل فقط بل رفعت عصاها الغليظة على جميع الأطراف المشاركة في صنع المشكلة، وأما في العراق فإنها لم تُرد الحل، أمس، ولا تفكر فيه اليوم ولا في غدٍ قريب.

يضاف إلى ذلك أن الإسلاميين المتطرفين الذين تهيمن عليهم أفكار جماعة الإخوان المسلمين وداعش وغيرُهما لم يتمكنوا من تحويل نفوذهم في ليبيا إلى دولة عميقة متجذرة تفرض سطوتها على الوطن كله، كما هو حاصل في العراق بدعم الدولة الإيرانية الغنية القوية، وبمباركة تركية حكومية، وموافقة صامتة أمريكية يدل عليها دعمُها لجميع حكومات حزب الدعوة والحكومات التي تلتها، رغم أنها أعرَفُ من غيرها بفسادها وتطرفها ودمويّتها التي لا تخفى على مخابراتها التي تسكن في غرف نوم وزرائها ومدرائها وسفرائها الموالين لإيران، شيعة وسنة، عربا وكردا، وإلى أبعد الحدود.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *