تصريح رجل الدين الإيراني مهدي طائب وهو في موقع سياسي مرموق، فهو مسؤول عن مكافحة الحرب الناعمة الموجهة ضد إيران، هذا التصريح ليس جديدا ولم يصدر عن فراغ، لكنه قد يعتبر الأبلغ والأكثر وضوحا من أي تصريحات سبقته في هذا المجال. والتصريح يقدم دليلا جديدا، ليس فقط على تعاظم النفوذ الإيراني في بلد عربي كسوريا، وهذا ليس بجديد، بل يشير أيضا إلى العلاقة العضوية بل والهيكلية الإدارية عندما يدعي بأن سوريا ما هي إلا المحافظة الـ35 من محافظات إيران، وأن سقوطها – حسب تعبيره – إنما هو أخطر على إيران من سقوط الأحواز!ينطوي التصريح على مضامين كثيرة؛ أولها إقرار إيران بغزو سوريا واحتلالها فعليا وتغييب الدولة السورية، إذ أصبح حالها كحال الكويت عندما غزاها العراق عام 1990 وحولها إلى المحافظة التاسعة عشرة، وإذا كان غزو العراق قد تم باستخدام القوة العسكرية على أوسع نطاق فإن غزو سوريا من جانب إيران يبدو أنه تم من خلال التوظيف المحكم للقوة الناعمة، رغم أن النتيجة واحدة، لم يتعاطف شعب الكويت مع الغزو، بل قاومه بشدة، وبالتأكيد لن يتعاطف الشعب السوري مع الغزو الإيراني وسيقاومه بشدة أكبر. إذن تدخل إيران السافر في الأزمة السورية ومقاومتها لرغبات السوريين في التغيير باستخدام القوة العسكرية المفرطة مباشرة بانتشار ما يزيد على 60 ألف مقاتل، أو بشكل غير مباشر عن طريق دعم النظام السوري بكل وسائل الدعم، لا يستهدف مجرد الدفاع عن نظام ممانعة، بل الدفاع عن السيادة الإيرانية المتمثلة بالمحافظة الخامسة والثلاثين، أو بكلمة أخرى: الدفاع عن إيران بالذات!! وبالتالي علينا أن ندرك حجم التحدي الميداني الذي يواجهه المقاومون السوريون، وهو كبير، بل بات مضاعفا وأبعد ما يكون عن استحقاقات مواجهة نظام مستبد فحسب. فالذين يقاتلون على الأرض السورية إنما يقاتلون جيشين، جيش النظام، إضافة إلى جيش الغزو الإيراني من حرس ثوري وفيلق القدس وميليشيات لبنانية وعراقية وغيرها، لهذا سيطول أمد معاناة شعبنا العربي في سوريا ويتأخر التغيير. أما غرض القتال فلم يعد كما كان فعليا مجرد إسقاط نظام حكم مستبد، بل تحول إلى تحرير بلد محتل، وهكذا تتضاعف شرعية من يحمل السلاح من المقاومين.
مهما كانت العلاقة بين النظامين الإيراني والسوري قوية ومتينة ومتشعبة لكن ذلك ما كان ينبغي أن يقود إلى التفريط في الهوية الوطنية والقومية لسوريا وتحولها إلى مجرد تابع ومحافظة تقع في ذيل المحافظات الإيرانية. لم يشفع كون العلويين هم من يمسك بزمام الأمر حتى الآن لأن تتعفف إيران وتتعامل مع دولة تتطابق معها مذهبيا وسياسيا بالندية والتكافؤ وتصرف النظر عن أجندتها التوسعية، على الأقل ظاهريا، لتفادي إحراج النظام السوري. هذا لن يحصل بالنسبة لإيران لسبب بسيط يتعلق بتصنيف إيران دولة قومية توسعية بامتياز، توظف الدين والمذهب للتوسع وبسط النفوذ، لا فرق عندها أن تكون الدولة المستهدفة شيعية أم سنية أم خلاف ذلك.
العرب المظللون بالبروبغندا الإيرانية عليهم أن يعيدوا النظر في موقفهم من إيران التي تحسن دغدغة المشاعر وتعرض نفسها على البسطاء أنها حامية للمذهب، لكن حقيقة مراميها تتجاوز ذلك إلى حد سلب السيادة وتغيير الهوية.
أن تتحول سوريا العربية إلى مجرد محافظة إيرانية تابعة أمر ينطوي على تهديد للأمن القومي العربي من جهة، ويزعزع الأمن والاستقرار الإقليمي من جهة أخرى، وفي كلتا الحالتين ينبغي التعامل مع هذا التصريح بمنتهى الجدية وعدم الاكتفاء بإصدار بيانات الاستنكار والإدانة أو لمجرد تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، وهو مطلوب من أجل منع الاختراق العربي عندما تتحول سوريا باعتراف إيران إلى تابع وتعمل في إطار المنظومة العربية كطابور خامس، بل ينبغي أن ينعكس الرد ميدانيا ويغير من طبيعة الصراع الدائر في سوريا.
فقد العرب قوة الردع، ولذا باتت حصونهم مهددة من الداخل، ومصالحهم مستباحة من الخارج، لكن صحوة حقيقية في الطريق، تباشيرها واضحة، وتبقى مثل هذه التصريحات رغم ما فيها من استفزاز وجرح للكرامة مرغوبة لأنها تنبه الغافلين، وما أكثرهم.
انتظروا تصريحا صارخا آخر في المستقبل عندما سيتحدث قطب من أقطاب ولاية الفقيه عن العراق، ونتوقع أن يكون صادما بكل المقاييس، وسيكون ذلك من باب تحصيل الحاصل لأن العراق هو الأقرب إلى إيران من سوريا، وهو دولة خليجية والأكبر مساحة والأغنى ثراء، وبالتالي لا بد أن موقعه على الخارطة السياسية الإيرانية سيكون متميزا.